المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (30) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَلَمَّا أَتَاهَا - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (30) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَلَمَّا أَتَاهَا

‌الآية (30)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30].

* * *

قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ} جَانِبِ {الْوَادِ الْأَيْمَنِ} لمُوسَى {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} لمُوسَى لِسَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ فِيهَا {مِنَ الشَّجَرَةِ} بَدَلٌ مِنْ شَاطِئِ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ لِنبَاتِهَا فِيهِ، وَهِيَ شَجَرَةُ عُنَّابٍ، أَوْ عُلَّيْقٍ، أَوْ عَوْسَجٍ {أَنْ} مُفَسِّرَةٌ لَا مُخَفَّفَةٌ {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}].

قَوْلُهُ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا} أي: جَاءَ إِلَى النَّارِ، ووصل إليها.

قَوْلُهُ تبارك وتعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ} : {نُودِيَ} النِّدَاءُ هُوَ دُعَاءُ الشخص بصوتٍ مُرتَفِع، والمناجاةُ: المُسَارَّة، وتكون بصوتٍ منخفض، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52]، فمُوسى نُودِيَ مِنْ بُعْد، ثم قُرِّبَ فنُوجِيَ.

وكلمة {نُودِيَ} مَبْنِيَّة للمفعول، فالذي ناداه هُوَ اللَّهُ، كَمَا فِي آيَةٍ أُخْرَى {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النازعات: 16]، فهنا حُذِفَ الفاعِلُ للعِلم به؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي نَادَاهُ هُوَ اللَّهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِه بعدُ {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30].

وقوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ} أي: مِنْ جَانِبِ، فشاطئُ الشَّيْءِ جانِبُه،

ص: 140

ومنه: شاطئ النهر، أي: جانبه.

وقوله تعالى: {بِالْوَادِ} الْوَادِي: مَجرى الماء، فمَجرى الشَّيْء يُسَمى واديًا؛ لأَنَّه فيه جُمِع، والوَدْي: الجَمْعُ، فعليه يكون مَجْرَى الشَّيْء واديًا.

وقوله: {الطُّورِ} صِفةٌ للشاطئ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:{وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} [طه: 80].

يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [{الْأَيْمَنَ} لِمُوسَى]، وَهَذَا مَعْلُومٌ؛ لأنَّه منادى، فَقَدْ يَكُونُ الوادي أمامَ مُوسى، أَوْ هُوَ فِي وَسَطِ الوادي، فيكونُ الأيمن مِنْهُ هُوَ الَّذِي عَلَى يَمِينِ موسى.

قوله تبارك وتعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} البُقعة: الأرض، أو الشَّيْء المتميز عَنْ غَيْرِهِ، ومنه: بُقَعُ المَاءِ فِي الثَّوْبِ مثلًا، فالبُقعة هي: الجانبُ مِنَ الْأَرْضِ المميَّز -مَثَلًا- بأشجار، أو شِبْهِها.

وقوله: {الْمُبَارَكَةِ} معناه: التي أَحَلَّ اللَّهُ فِيهَا البَرَكةَ، والبَرَكةُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الثابتُ؛ لأنَّه مُشْتَقٌّ مِنَ: بِركة الماء، وبِركةُ الماء تكون مَجْمَعًا لَهُ مَعَ ثُبوته فيه، والبَرَكة تَكُونُ مِنَ اللَّهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مُبارَكٌ لشخصه، بَلْ لمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ البَرَكة.

وقد مَرَّ علينا بحثٌ فِي كَوْنِ الإِنْسَان يُتَبَرَّكُ به، وهل يَصِحُّ هَذَا أَمْ لَا؟ وقلنا فِيمَا سَبَقَ: إِنْ كَانَ المُرَادُ البَركة الشخصية، فَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ المُرَادُ بالبَركة مَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِن مَنافِعَ عِلمِيَّةٍ، أَوْ مَالِيَّةٍ؛ فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَكُونُ مجلسُه مُبَاركًا ينفع الحاضرين؛ إما بالذِّكر، وإما بالعِلم، وإما بالمال، وإما بالآداب، والأخلاقِ، هَذِهِ بركة لَا شَكَّ، وبعضُ النَّاس يكون بالعَكس

ص: 141

مَشْئُومٌ على جَلِيسه، كَمَا أَنَّ مِنَ النَّاسِ أَيْضًا مَنْ يَكُونُ مِفتاحًا للخَير، ومِغلاقًا للشَّرِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بالعكس.

لكن المُفَسِّرُ رحمه الله قَيَّدها قَيْدًا حَسَنًا، فقال:[مُبَارَكَةٌ لِمُوسَى]، فهي مُبارَكة فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بالنِّسبة لموسى، أمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ لها صِبْغةٌ دينية، وليست مُقَدَّسةً بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ فِي وَقْتِ تكليمِ موسى.

ومنه أيضًا: غَارُ حِرَاءٍ، فهو بالنِّسبة للرسول صلى الله عليه وسلم مُبَارَك، لكن حين نُزول الوحي عَلَيْهِ فِيهِ، أمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ له صِبغة دينية، ولهذا مِن البِدع أَنَّ الْإِنْسَانَ يَذْهَبُ إِلَى غَارِ حِرَاءٍ ليزورَه تعبُّدًا، وكذلك غارُ ثَوْرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ يزوره اطلاعًا فقط، فَإِنَّ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ التعبد.

فمِن هَذِهِ الأماكن التي ما تثبت لها قُدسية عامَّة، تكون قدسيتُها خاصَّة في حِينِها فقط، ولمِن هِيَ لَهُ أَيْضًا، وأمَّا لِغَيرِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ.

ولهذا كان مِنْ أَحْسَنِ مَا صَارَ عَلَيْهِ المُفَسِّر رحمه الله تقييدُه هنا بموسى؛ لسماعه كَلَامَ اللَّهِ فِيهَا فِي هَذِهِ البُقعة، وَلَا شَكَّ انَّ الاستماع إلى كَلَامِ اللَّهِ عز وجل لَا يُشْبِهُهُ أيُّ استماع؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ فِيهِ مِنْ لَذَّةِ المناجاة مَا لَا يَجِدُهُ في مناجاة أَيِّ أحد؛ لأنَّه أحب شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا خاطَبَ محبوبَهُ صار أَشَدَّ تَلَذُّذًا بكلامه معه، مَعَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهُ كلام.

يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [لِسَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ فِيهَا]، وكلام اللَّه سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الأشاعرة، فقالوا: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ المَعْنَى القائمُ بالنفس، وَإِنَّ مَا يُسمع مخلوقٌ خَلَقه اللَّهُ عز وجل ليُعبرَ بِهِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ.

ص: 142

وَعَلَى هَذَا يكون مُوسَى لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللَّهِ، وإنما سَمِعَ مَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تعالى.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا المعتزلة والجَهميَّة، وقالوا: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مخلوقٌ، يَخْلُق سبحانه وتعالى أصواتًا فِيمَا أَرَادَ؛ إِمَّا فِي جبريل، وَإِمَّا فِي الشَّجَرَةِ، وَإِمَّا فِي الْأَرْضِ، فتُسمَع هَذِهِ الأصواتُ، فيُنسب الْكَلَامُ إِلَى اللَّهِ مِنْ بَابِ التَّشبِيه، والخَلق، والتكوين.

وعندما نُمَحِّص الأمر نجد أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الأشاعرة والمعتزلة فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُتَّفِقُونَ أَنَّ مَا يُسْمَع فهو مخلوق، وَلَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، وفي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَ، لكن الأشاعرة تلطَّفوا فِي الْأَمْرِ، وقالوا: إِنَّ الْكَلَامَ معنًى قائمٌ بالنفس يُعَبَّرُ عَنْهُ بالأصواتِ، لا يُعبِّر المتكلم، يَخْلُقُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

ولا ريب أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة هو المذهب الصحيح الموافقُ للنقل والعقل، يقولون: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ يُسْمَعُ مِنَ اللَّهِ، وإنَّ كَلَامَ اللَّهِ بحرفٍ وصوت، أما الحرف فَهُوَ مَا يَتكلَّمُ بِهِ تبارك وتعالى، مما يستعمله النَّاسُ فِي نُطقهم.

وأما الصوت فَإِنَّهُ لَا يُشْبِهُ أصواتَ المخلوقين، وكيف يُشبه أصواتَ المخلوقين وهو سبحانه وتعالى "إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شيْئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَسَكَنَ الصَّوْتُ، عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوْا {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23] "

(1)

.

يقول المُفَسِّرُ: [{مِنَ الشَّجَرَةِ} بَدَلٌ مِنْ شَاطِئ؛ لِإِعَادَةِ الْجَارِّ لِنَبَاتِهَا فِيهِ].

ص: 143

قوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} هنا تخصيص بعد تخصيص، تخصيص بالنِّسبة لجانب الشاطئ أنه الأيمن، وَفِيهِ أَيْضًا تخصيصٌ ثانٍ بالنِّسبة للشاطئ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنَ الشجرة: نُودِيَ مِنَ الشجرة، أي: مِن ناحيتها، وليس مَعْنَاهُ أَنَّ النِّدَاءَ مِنَ الشَّجَرَةِ.

والمعتزلة يقولون: إِنَّ النداء مِنَ الشَّجَرَةِ، وإنَّ الشجرة خُلِق فيها صوتٌ سمعه مُوسَى عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.

وَلَكِنَّ المُرَادَ مِنَ الشَّجَرَةِ، أي: مِن ناحيتها، وجِهَتِهَا، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي:{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَه الشجرة، ولو قالته الشجرة لَقَالَ لَهَا موسى: كذبتِ. ولكن الَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ سبحانه وتعالى.

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [لِنبَاتِهَا فِيهِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ عُنَّابٍ، أَوْ عُلَّيْقٍ، أَوْ عَوْسَجٍ، (أَنْ) مُفَسِّرَةٌ لَا مُخَفَّفَةٌ {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}]: [أَوْ] هَذِهِ لتنويع الخلاف، وهذا أَمْر لَا يَهُمُّنا.

المهم: أنها شجرة نُودِي منها عليه الصلاة والسلام.

و(أَنْ) مُفَسِّرة، والمُفَسِّرة هِيَ الَّتِي بمعنى (أَيْ)، وَهِيَ الَّتِي تأتي مُفَسِّرةً لمِا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفه، فالنداء -مثلًا- فِيهِ مَعْنَى القول، أما حروفُ القول فهي كلمة (قال) ومُشْتَقَّاتُها، قَالَ تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} [المؤمنون: 27]، (أَنْ) هَذِهِ مُفَسِّرة؛ لأنَّها أتت لمِا فِيهِ مَعْنَى القول، وهو الإيحاء دُون حروف القول، ولهذا سمَّيناها هنا مُفَسِّرة؛ لأنَّها فَسَّرَت النداء بالقول، إِذْ إِنَّ مفعولها قوله:{يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، وَهُوَ مَفْعُولٌ قول، ولهذا يقول: إنها مُفَسِّرة؛ لأنَّها فَسَّرَت مَعْنَى الْفِعْلِ المتضمِّن القولَ دون حروفِ القولِ.

ص: 144

وقوله: [لَا مُخَفَّفَةٌ] الصَّواب أنها ليست مُخَفَّفَةً مِن الثَّقِيلة، فَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفةً؛ لأنَّه ينطبق عليها معنى التَفْسِيِريَّة، هَذِهِ واحدة.

وأيضًا المُخفَّفة تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ.

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [لَا مُخَفَّفَةٌ] إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ المغرضين يقولون: إنها مُخَفَّفَة.

قوله تعالى: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، أي: الذي أُخاطِبُك.

قَوْلُهُ تبارك وتعالى: {أَنَا اللَّهُ} بدأ بالأُلوهيَّة؛ لِأَنَّهَا هِيَ المَقْصُودُ، ثُمَّ قَالَ:{رَبُّ الْعَالَمِينَ} فَثَنَّى بالرُّبوبية؛ لأن الرُّبوبية فِي الْحَقِيقَةِ وَسِيلَةٌ إِلَى الأُلوهية، ولهذا مَنْ أَقَرَّ بالرُّبوبية لَزِمَهُ أَنْ يُقِرَّ بالأُلوهية، وَإلَّا كَانَ متناقضًا، وَاللَّهُ تعالى يحتحُّ عَلَى المُشْرِكِينَ بالأُلوهية دائمًا بإقرارهم بالرُّبوبية؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّ اللَّهَ ربُّه، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: إذن، يَجِبُ أَنْ تَعْبُدَ هَذَا الرَّبَّ، إذا عبدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّك لَمْ تَصدُق في إقرارك بِرُبُوبِيَّتِه، فهُما مُتلازمان؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21]، فجَعَل الخَلْقَ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الرُّبوبية دليلًا مُلزِمًا لعبادته.

في قَوْلِهِ تبارك وتعالى: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} الياءُ اسْمُ (إِنَّ)، و {أَنَا} مبتدأٌ ثانٍ، ولفظ الجلالة خبرٌ للمبتدأ الثَّاني، والجُملة الاسميةُ مِن المبتدأ وَالْخَبَرِ فِي مَحِلِّ رفعٍ خبرُ (إِنَّ)، وقولُه:{رَبُّ الْعَالَمِينَ} خَبَرٌ ثانٍ لـ {أَنَا} .

قوله تبارك وتعالى: {رَبُّ الْعَالَمِينَ} الربُّ هُوَ المَالِكُ والمُدَبِّر لجميع الأَشْياء، وقوله:{الْعَالَمِينَ} المُرَادُ بِهِمْ مَن سِوَى اللَّهِ، وجَمعَهم باعتبار أصنافهم، وإلا فالعالَم هو كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ، والجمع لوجود عالَم الإنس، وعالَم الجن، وعالَم البهائم، وعالَم

ص: 145