الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (51)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 51].
* * *
قال المُفَسِّرُ: [{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا} بَيَّنَّا {لَهُمُ الْقَوْلَ} الْقُرْآنَ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يَتَّعِظُونَ فَيُؤْمِنُونَ].
قوله تعالى: {وَصَّلْنَا} مِن التَّوصيل، وحُروفُه الأصلية: وَصَلَ، والوصول إلى الشَّيْء: بُلوغُ غايَتِه، والمعنى أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يُؤَكِّد في هَذِهِ الجُملَة -وذلك بحُروف ثلاثة، وهي: القَسم، واللَّام، وقَدْ- أَنَّهُ وَصَّلَ لهم القول.
وقوله تعالى: {وَصَّلْنَا لَهُمُ} المَعروف أَنَّ الفِعل (وَصَلَ) يتعدَّى بـ (إلى)، فيقال: وصَلَ إليه، ويقال: وصَّل إليه، وأوصَل إليه. ولكنه هنا عُدِّيَ باللام؛ وذلك لأنَّهُ تَضَمَّنَ معنى الوُصول والبَيان، وَلهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله في تَفسيرها:[بَيَّنَّا لَهُمْ]، وقَدْ مَرَّ عَلَينَا أَنَّ اللُّغة العربية قد تُعَدِّي الفِعلَ أو -بعبارةٍ أَعَمَّ- قَد تُعَدِّي العامِلَ بغير ما يَتَعَدَّى به.
وذكرنا أَنَّ لِعُلَماء النَّحْو في ذَلكَ طريقين:
الطريق الأول: التَّجَوُّز في الحرف.
والطريق الثَّاني: التَّجَوُّز في الفِعل.
وهذا مِثال أُوَضِّحُ به الأمر، قَالَ تعالى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، فالعَين يُشرب منها، أما الذي يُشْرَبُ به فهو الإناء.
قال بعضُ النَّحويين في هَذَا الأَمر: يمكن التجوُّزُ بالحرف، وإنَّ (الباء) بمعنى (مِنْ)، فتكون (مِنْ) تَبْعِيضِيَّة.
وَقَالَ بَعض النحويين: بل التَّجَوُّز في الفعل يَشْرَبُ، وإنه ضُمِّنَ معنى: رَوِيَ يَرْويَ، فَيَكون المَعنَى: يَرْويَ بها إذا شرب منها.
وَهَذَا في الحَقيقَة أصحُّهما، وهو مذهب البصريين.
فيكون قَولُه تعالى: {وَصَّلْنَا} أي: إلَيْهِم ببيان.
قوله تعالى: {الْقَوْلَ} يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [هُوَ القُرْآنُ]، ولعله أَعَمُّ مما قَالَ المُفَسِّر رحمه الله، فالمراد بـ {الْقَوْلَ} أي: قولنا، فَاللَّهُ تعالى مَا يزال يُنَزِّل لعباده مِن قَولِه وَوَحْيِه ما تَصْلُح به أُمُورُهم، حتى وَصَلَت الغايةُ إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالقُرْآن.
فَيَكون المَعنَى: أنَّ اللَّهَ تعالى مَا ترَكَهُم هكذا، بل ما زالت أقوالُه تصل إلَى الخَلق، وتُبَيَّنُ لهم.
قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} : (لَعَلَّ) هنا للتَّعلِيل، أي: لأجْلِ أَنْ يتذَكَّروا، والتذكُّر بمعنى ذِكْرِ الشَّيْء، لَكن لَا لمجرد الذِّكر، ولكن للاتِّعَاظِ به.
ولهذا فالمُفَسِّرُ رحمه الله دائما يُفَسِّر {يَتَذَكَّرُونَ} بلازمهِ، وهو الاتِّعاظ، وإلا فأصلُ التَّذَكُّر: تَذَكَّرْتُ الشَّيْءَ، أي: كنتُ منه على ذِكْرٍ، لكن هناك لازم، وهو الاتعاظ.
أمَّا مُجَرَّدُ الذِّكْر بِدُونِ اتِّعَاظٍ، فَهَذَا لَا يَنفع، والمُفَسِّر رحمه الله يقول:[يَتَّعِظُونَ] أي: تُؤَثِّر فيهم الموعظةُ والقول، (فَيُؤْمِنُونَ).