الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغَزْوُ المَارْكْسِيُّ لِلْتَّارِيخِ وَالسِّيرَةِ:
كِتَابَاتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّرْقَاوِي وَالغَزْوِ المَارْكْسِيِّ لِلْتَّارِيخِ وَالسِّيرَةِ:
تناول الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه " محمد رسول الحرية " في مقالات ما زالت تنشر في جريدة " الأهرام " وفي جريدة " الوطن ".
وتناول أيضًا مواقف الإمام ابن تيمية في مقالات باسم الفقيه المعذب. وهذه المقالات ظاهرها أنها إسلامية، وتقدم صاحبها للقراء باسم المفكر المسلم، حتى أن جهات إسلامية رشحته لجائزة عالمية لإنتاجه في خدمة العمل الإسلامي. وإنه بتمحصيها يتضح أنها تؤول النصوص الشرعية، وتحرف مواقف الصحابة والفقهاء لتخدم الفكر الماركسي.
فمثلاً زعم أن الجماهير ناقشت ابن تيمية كيف نصد التتار ونقاتل، بينما أصحاب رؤوس الأموال هو المستفيدون من صد التتار، حماية لأموالهم فكيف ندافع نيابة عنهم.
فهذا التفسير من شأنه أن يوصم ابن تيمية بالعمل لصالح الرأسمالية والأغنياء، والمعلوم للجميع أن عمله كان جهادًا في سبيل الله وحفاظًا على الإسلام والمسلمين. من ناحية أخرى، فإن هذا التفسير الماركسي من شأنه أن تقف الجماهير متفرجة أثناء العدوان على الأوطان، لأن الماركسية تجعل ولاء الماركسيين في كل أنحاء العالم لوطنهم الأم وهو روسيا، ولهذا عندما صالح جمال عبد الناصر مع قيادات الماركسية المصريين اشترط عليهم أن يكون الولاء لمصر لا لروسيا، وأن يكون هو المكافح بدلاً من (لينين) وأن يدعو هؤلاء الماركسيين من خلال عملهم في الاتحاد الاشتراكي وغيره بصورة علنية ومشروعة، ليضمن أنهم لا يعملون سرًا ضد حكمه.
مَوْقِفُ عُثْمَانَ مِنَ الفِتْنَةِ:
نشرت " الوطن " بتاريخ 21/ 9 / 1983 م مقالاً عن أحداث الفتنة التي انتهت بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فكان مما كتبه:«وروى أهل مصر ما كان من أمرهم وأمر عثمان لأهل المدينة، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا ضيق على عثمان وطالب بتسليمه مروان، فانضم أهل المدينة إلى وفود الأنصار وشددوا النكير على عثمان» . كما قال: «وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة النصوح، ويحتجون ويقسمون عليه بالله أن يعطيهم حق الله فإذا لم يفعل قتلوه» . وكتب أيضًا ما يفيد أن الصحابة تحولوا إلى جمع المال وتركوا
الجهاد.
والأستاذ الشرقاوي في هذا يستخدم الفلسفة المادية في تفسيرها للتاريخ، فيقدم الأحداث في ثوب ثورة من أهل المدينة ضد أمير المؤمنين، والمصادر التاريخية تكذب ذلك، فأصحاب الفتنة لم يكونوا أهل المدينة بل إن الصحابة بها أرادوا حماية عثمان والدفاع عنه فنهاهم عن ذلك وأعلن أن من كان في عنقه بيعة فليغمد سيفه وليلزم بيته. كما أن جهاد الصحابة وهجرتهم إلى الأمصار لم يكن لهدف مادي بل كان لنشر الإسلام وحماية عقيدته، كما هو معلوم للجميع (1).
ولقد روى الطبري: ج 5 ص 393 أن الإمام عليًا قال للثوار: «كيف علمتم يَا أَهْلَ الكُوفَةِ ويا أهل البَصْرَة بِمَا لقي أهل مصر، وَقَدْ سرتم مراحل، ثُمَّ طويتم نحونا؟ هَذَا وَاللَّهِ أمر أبرم بِالمَدِينَةِ!» . قال الثوار العراقيون بلسان رؤسائهم: «فضعوه عَلَى مَا شئتم، لا حاجة لنا فِي هذا الرجل» .
لقد أشار الإمام علي على أن هذه مؤامرة دبرها من خطط لعودة قوافل من الغرب، أي المصريين، في وقت واحد مع قوافل الشرق وهم أهل العراق، فالذين استأجروا الراكب ليمثل دور رسول الخليفة إلى والي مصر، عبد الله بن أبي سرح، هم الذين دبروا مسرحية أخرى أمام وفود العراق لتعود في نفس الوقت مع قوافل المصريين. وقد أشار الطبري أن هذه المؤامرة دبرها الأشتر وحكيم بن جميلة، فلم يرجعا مع جماعتهما إلى بلدهم وتخلفا بالمدينة. إن هؤلاء أيضًا ومن معهم من المنافقين كانوا وراء الرسائل التي
(1)" العواصم من القواصم ": ص 132.
(2)
" الإصابة في تمييز الصحابة ": 6/ 393.
أدت إلى قيام الحرب بين معاوية والإمام علي، وأدت إلى موقف عائشة وطلحة والزبير، فقد قال مسروق بن الأجدع الهمذاني - وهو من الأئمة الأعلام المقتدى بهم -:«" يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ كَتَبْتِ إِلَى النَّاسِ فَأَمَرْتِهِمْ بِالخُرُوجِ عَلَى عُثْمَانَ "، قَالَتْ: " وَاللِه مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ سَوَادًا فِي بَيَاضٍ "» . قَالَ الأَعْمَشُ: «فَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَنَّهُ كُتِبَ عَلَى لِسَانِهَا» .
وفي جميع الأحوال فإن انتصارنا للحق الذي كان يمثله الإمام علي، لا يترتب عليه سب الصحابة وتقديمهم للناس على أنهم يقاتلون من أجل المادة، أو أنهم حرفوا أو خانوا فذلك قد حكم فيه القرآن الكريم.
ونرجو أن يعلم الأستاذ الشرقاوي ومن رضي بمثل هذا المنهج لأي سبب من الأسباب، أن الإسلام يحكم بأن نقف عند حدود قول الله تعالى عن الصحابة:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (1). فهل يجوز لأحد أن يتهمهم بالتبديل وعدم الصدق. كما قال تعالى عنهم: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]، وقال عز وجل:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (2).
ولو كان الشرقاوي كاتبًا إسلاميًا ويخدم الإسلام في كتبه فليعلن توبته عن كتابه " محمد رسول الحرية "، فالرسول في هذا الكتاب ليس رسول الله بل رسول الحرية، كـ (ماركس) عند الشيوعيين، ففي هذا الكتاب يذكر أن الذي حرم الخمر ليس هو الله، للأسباب الواردة في القرآن لأنها رجس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتجلب العداوة والبغضاء، بل حرمها رسول الحرية لأن صحابته المقاتلين معه في أُحُدْ كانوا يذهبون غلى بيوت العاهرات اليهوديات ويشربون الخمر، فأراد الرسول أن يوجه هذه الأموال لأسر الشهداء. فهل يرجع الأستاذ الشرقاوي عن هذا التحريف الذي يغلب على كتابه ومقالاته الإسلامية، ليكون كاتبًا إسلاميًا أم أنه يفترض جهل القراء وعدم إدراكهم ذلك، أم أن هناك أمورًا أخرى فوق مستوى الشعوب؟ (3).
(1)[الأحزاب: 23].
(2)
[الفتح: 18].
(3)
نشرت بـ " الوطن " في 23/ 11 / 1984 والجدير بالذكر أنه في لقاء ودي بين المؤلف والأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي بفندق " حياة ريجنسي " في حفل اليوبيل الذهبي لمجلة " العربي "، أوضح أنه لا يهدف إلى إثبات الحقائق التاريخية، ولا يسعى إلى خدمة الماركسية حيث يؤمن بالإسلام ومبادئه، ووعد بتوضيح ذلك في كتبه، وقد سجل هذا الحوار في كتاب " الغزو الفكري للتاريخ والسيرة "، وأما صلة المقال بالعلمانية، فهو في تطويع الدين للمادية الجدلية، التي تنكر الأديان، ومن باب أولى تستبعد الدين في الحياة الاجتماعية.