الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَعَالَى -» فهذا التقرير يتعارض مع ما انتهى إليه، كما يلزم أن يبحث معنا ومع غيرنا عن المقصود بالدعوة إلى تنقيح التشريعات بما يتلاءم مع الإسلام وهي التي تبناها مجلس الأمة في مصر والكويت والسودان وغيرها، ونتج عن ذلك صدور تشريعات في الكويت تتلاءم مع التشريع الإسلامي، ومنها نص الجزاء الذي عاقب على الزنا بعد أن كان القانون السابق مستمدًا من التشريع الغربي الذي يجعل ذلك من الحرية الشخصية، هل المقصود بذلك العودة إلى نظام الحكومة الدينية؟ أم يظل أمر اختيار الحكام ومحاسبتهم متروكًا للأمة على النحو المبين في القانون وما معنى إثارة موضوع الحكومة الدينية الذي لا يعرفه أحد من المسلمين؟ ومع هذا نشكره على قبوله النقد بصدر رحب.
رَابِعًا: الدَّوْلَةُ بَيْنَ الحُكْمِ وَالقَضَاءِ:
استعرض البعض آيات قرآنية وردت عن الحكم ومنها قول الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ
…
} (1).
قول الله لنبيه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (2).
وقال: إن القرآن يستخدم مصطلح الحكم بمعنى القضاء لا بمعنى السلطة السياسية ويلتزم هذا الاستخدام حتى عندما يكون الحديث عن الدنيا.
استشهد بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]. وقال: المعنى، يقضي بما يريد من تحليل وتحريم.
وهذا التحليل يرتبط بالمقدمة السابقة وهي أن الحاكمية في المجتمعات إنما تكون للناس طبقًا للقاعدة القانونية الأمة مصدر السلطات.
وقد أوضحنا خطأ هذه المقدمة وبالتالي فالنتيجة خاطئة أيضًا لأسباب أهمها:
1 -
أن كلمة الحكم لها في معاجم اللغة عدة معان فترد بمعنى:
أ - القضاء والفصل في الخصومات.
ب - وبمعنى الحاكم والسلطات.
ج - وبمعنى العلم والفقه والحكمة.
ولكن الكاتب تعمد تجريد هذه الكلمة من أحد معانيها وهو الحكم والسلطان
(1)[الأنبياء: 78].
(2)
[النساء: 105].
ليصل إلى النتيجة التي يحاربها والتي تخول للناس حق التحليل والتحريم.
2 -
أنه لو جاز جدلاً أنه لا يوجد كلمة الحكم إلا معنى القضاء، فكل ذي حس وبصيرة يدرك ويعلم أن القضاء لا يتولاه الأشخاص إلا من خلال مجتمع له رئيس أيًا كان اسم هذا الرئيس، حاكمًا أو أميرًا أو خليفة أو سلطانًا، أو رئيس جمهورية أو غير ذلك.
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو رئيس المجتمع الإسلامي، وكانت عاصمته المدينة المنورة، وكان يجمع بين سلطة القضاء وسلطة رئيس الدولة، ثم أسند القضاء في بعض المناطق إلى قضاة عينهم لذلك بوصفه الرئيس الأعلى للدولة كما فعل الخلفاء من بعده مثل ذلك.
وأنه بهذه الصفة أمره الله تعالى بالحكم بما أنزل الله. قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
…
} (1).
4 -
أنه من الخلط البين القول أن آيات الحكم الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم تعني قضاء القاضي وليس نظام حكم وسياسة المجتمع، لسببين:
- الأول: أن القاضي لا يملك تنفيذ حكمه إلا من خلال دولة وسلطة تنفيذية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان حاكمًا قبل أن يكون قاضيًا، ولهذا أمره الله بجمع الزكاة جبرًا من أصحاب الأموال. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
…
} (2). وقد أسند النبي أمر جمع الزكاة إلى أشخاص خولهم هذه السلطة بصفته رئيسًا للدولة لا قاضيًا.
- الثاني: أن الأوامر الصادرة إليه من الله بالحكم بالإسلام لم تصدر إليه بصفته قاضيًا مختارًا بل بصفته رئيسًا لدولة تضم المسلم وغير المسلم، لهذا كان التكليف هو:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (3). فالقضاء احد مقومات الدولة.
5 -
أنه ليس صحيحًا أن آيات الحكم الخاصة بداود وسليمان خاصة بالقضاء وليست بالحكم، فقد قال اللهُ عن داود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
…
} (4). فهذا النبي كان حاكمًا وقد كان سليمان صاحب ملك ودولة واسعة تضم الإنس والجن والطير، قال تعالى:{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ} (5).
(1)[المائدة: 49].
(2)
[التوبة: 103].
(3)
[النساء: 105].
(4)
[ص: 26].
(5)
[النمل: 17].
6 -
أنه لا ينكر غير المسلمين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسس دولة عاصمتها المدينة المنورة، وأنه قاد الجيوش في حروب مع أعداء الإسلام وأبرم المعاهدات كرئيس لهذه الدولة، فكيف يقبل من مسلم أن يقول: إن آيات الحكم المتعلقة بالنبي تخاطبه بوصفه قاضيًا لا حاكمًا سياسيًا.
والنتيجة أن مبدأ الأمة مصدر السلطات مقبولة في النظام الإسلامي، إذا طبق فيما يتعلق باختيار الحكام ومحاسبتهم وعزلهم، ويتعارض مع الإسلام فيما يتعلق بحق المجالس النيابية كسلطة تشريعية في التحليل والتحريم من دون الله تعالى (1).
(1) نشر بـ " الوطن " في 11/ 3 / 1983، والجدير بالذكر أن الدكتور محمد عمارة قد أصدر كتابه " الإسلام وحقوق الإنسان " سنة 1985 جاء به:«أن الأمة في الشورى الإسلامية هي مصدر السلطات وعليها عن طريق ممثليها مراقبة الحكومة ومحاسبتها وتغييرها إن جارت» : (ص 53). ثم أصدر كتابه " الدين والدولة " سنة 1986 رد فيه على العلمانيين وأوضح أن الدولة رغم طابعها المدني فهي من الإسلام كدين ولقد برأها من الكهانة والثيوقراطية ولا يقطع الصلات بين الدولة والدين على النحو الذي يدعيه العلمانيون: (ص 41).