الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَقِيقَةُ الإِسْلَامِ وَالعِلْمَانِيَّةِ:
بتاريخ 18/ 7 / 1986 نشرت " الأهرام " أقوالاً للدكتور فؤاد زكريا، تتعلق بالإسلام والعلمانية ورد فيها أنه لا يوجد تعارض بين الإسلام والعلمانية، فهي كتعبير تعرضت لسوء فهم شديد يسيء إلى سمعتها بإظهارها على أنها نقيض للإسلام، واستدل بأن مصر في الأربعينات كانت تسير في طريق علماني، وليس معنى ذلك أنه لم يكن زعماء مصر يؤدون فرائض الإسلام، وأن أوروبا اتجهت إلى العلمانية كرد فعل على التفكير الذي يتمسك بأقوال أرسطو ورجال الكنيسة، بينما كانت أوروبا تسعى للتوسع والسيطرة والتصنيع والعلوم وكان العائق هو التمسك بأفكار أرسطو والكنيسة، فلا يقال إن هذا التفكير الأوروبي ليس عندنا فلا داعي إذًا للعلمانية.
لما كان ذلك وكانت هذه القضية تتردد بين الحين والآخر في كثير من المجتمعات العربية فتناولتها أقلام بهذا المفهوم الذي طرحه الدكتور (فؤاد زكريا) في ندوة نقابة الأطباء في مصر من ذلك ما نشر في صحيفة " الوطن " بالكويت بتاريخ 19/ 11 / 1982 و 18/ 3 / 1983 و 23/ 5 / 1984 وكذلك ما نشر بصحيفة " الوفد " بتاريخ 12/ 6 / 1986 للدكتور وحيد رأفت، كل هذا كان يخلط بين الحكومة الإلهية في باريس وبين الإسلام، ثم استحدث الدكتور فؤاد زكريا تعريفًا للعلمانية لم ينسبه لأي مصدر من المصادر، وينطوي على إضفاء صفة العلم عليها، ومن ثم وجب أن نرد ما اختلف فيه إلى مصادره الأصلية وذلك على النحو التالي بإيجاز شديد:
1 -
العلمانية هي ترجمة كلمة Secularism ومعناها كما جاء في " المورد " ص 827 هو عدم المبالاة بالدين وبالاعتبارات الدينية، أي فيما يتعلق بالقواعد والنظم الاجتماعية فقد جاء في قاموس " وستر " ص 1444 أن العلمانية هي قواعد غير مرتبطة بالقواعد ذات العلاقة بالكنيسة أو الأنظمة الدينية.
وعلى هذا الأساس فالعلمانية تعني رفض القوانين التي يكون مصدرها الوحي الإلهي، فهي تحل الفواحش والربا ولحم الخنزير وسائر المحرمات الواردة بالقرآن الكريم، وفي
الكتب السماوية الأخرى كالأنجيل والتوراة، لمجرد أن مصدرها الدين طبقًا لما استقر عليه النظام العلماني بقاعدة فصل الدين عن الدولة.
2 -
ليس صحيحًا أن العلمانية تعني التفكير العلمي أو تقتصر على التقدم الصناعي والمعماري، فالعلم قد أثبت أن أكل لحم الخنزير يضر بالإنسان ويكفي أنه يولد الدودة الشريطية التي يصل طولها بأمعاء الإنسان إلى ثمانية عشر مترًا، كما أثبت العلم أضرار الفواحش وتمثل ذلك في أمراض الزهري والسيلان ثم أخيرًا مرض الإيدز، ومع هذا فالتشريعات العلمانية في أوروبا تبيح هذه الأمور والعلم يوجب خطرها أما أن الفكر الديني يناهض العلوم والتصنيع ولهذا لجأت أوروبا إلى المذهب العلماني فإن ذلك قاصر على أوروبا وحدها ولا ينبغي أن نتبع أوروبا في مشاكلها وأمراضها أو في علاج المشاكل والأمراض التي ليست في مجتمعاتنا، فالإسلام يطلق الحرية الكاملة في البحث العلمي وفي كل شيء يتعلق بالصناعة وغيرها مما يخضع للتجارب البشرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قال:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ» . والأحاديث والآيات القرآنية في هذا لا نكاد نحصيها.
3 -
إن ما عرف في أوروبا باسم الحكم الثيوقراطي أو الحكومة الإلهية، أمر لم يوجد في المجتمعات العربية ولن يوجد فيها، فإذا كان لرجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى ما عرف باسم الحق الإلهي، الذي يخول لهم التصرف في الناس وفي التشريعات وفي أمور الحلال والحرام ثم يقولون: إن هذا من الله، وبالتالي كانوا يملكون صكوك الغفران والحرمان، كما قاموا بسجن أو حرق من بحث في العلوم الطبية أو غيرها من العلوم التجريبية فإن كل ذلك لا وجود له في الإسلام فهو لا يخول أحدًا من الناس في هذه الخصائص أو غيرها، كما أنه لا يفوض أشخاصًا بأعيانهم لتولي السطلة في الأرض أو لممارسة السلطة الدينية على الناس بل إن القرآن الكريم قد نزل لإبطال هذه المغالطات المنسوبة إلى الدين وإلى الله تبارك وتعالى، فقد أعلن ذلك إلى الناس جميعًا، قال الله:{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (1).
4 -
إن تأدية بعض الزعماء للصوم والصلاة والنظم العلمانية ليس معناه أن هذه النظم لا تتعارض مع الدين، لأن التعارض بين الدين والعلمانية يكون فيما يتعلق بالتشريعات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لأن العلمانية لا تعني إنكار وجود الله والديانات كماهو الحال في الشيوعية، وقد سجل القرآن موقف أهل مدين في هذا الشأن من نبيهم شعيب في
(1)[آل عمران: 64].