الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهل كان كل ما وراء المادة خرافة وخيالاً؟ وهل ما لا نحسه - أي غير المادي - لا وجود له؟ نجيب على ذلك بإيجاز شديد، ليعلم ذلك كل ذي حس وبصيرة.
ولقد ثبت علميًا جهل (كارل ماركس) وخطؤه الفاحش، فقد اكتشفت الطاقات الضوئية والإشعاعية والرادار والأصوات في الأثير، كما تمكن العلماء من معرفة عنصر الهليون عن طريق الأشعة التي صدرت عنه في الشموس، وحددوا حجم ومدار كوكب النبتون قبل أن تراه الأجهزة العلمية، وذلك بنفس الوسيلة العلمية، وهي معرفة الجانب غير المحسوس من الحقائق عن طريق شواهده، وآثاره في العالم المحسوس.
وهكذا اكتشف الإنسان ما وراء المادة بل قد أحاط بالمادة، فيستحيل أن تكون هي الخالقة له وهي المفسرة لحياته.
وأصبح مِنَ المُسَلَّمِ بِهِ عِلْمِيًّا أن تعرف الجانب الغير المرئي من الحقائق عن طريق الآثار التي تدل عليه في العالم المحسوس.
هذه الحقيقة أدركها العرب بالنظرة وبغير أجهزة علمية أو اكتشافات أثيرية فقالوا: «البَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى البَعِيرِ، وَالأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى المَسِيرِ، أَلَا تَدُلُّ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ عَلَى اللَّطِيفِ الخَبِيرِ» .
أمام هذا الاكتشاف العلمي، وأمام الفشل التي منيت به الماركسية، دعا (روجيه غارودي) سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي إلى تطوير الماركسية في عدة أمور، منها: ضرورة الاعتراف بالإيمان والمؤمنين في الحزب الشيوعي.
المَادِّيَّةُ الجَدَلِيَّةُ تَهْدِمُ المُجْتَمَعَ الشُّيُوعِيَّ:
فمن الناحية الفلسفية:
تقوم المادية الجدلية على عدة قوانين للنمو، هي: قانون تحول التغيرات الكمية إلى كيفية، وقانون تداخل الأضداد، أي وجود التناقضات، وقانون نفي النفي، فالإقطاع تنفيه وتهدمه الرأسمالية، وهذه تهدمها الاشتراكية، في كل مجتمع يتضمن عُنْصُرَا الضِّدِّ وَالنَّقِيضِ فيهدم نفسه ويحل محله غيره. وإذا سلمنا جدلاً بحقيقة هذه القوانين وحتميتها كما يدعي (ماركس) فإنها تتضمن بهذا التحليل، أن يهدم المجتمع الشيوعي نفسه، وينشأ عنه مجتمع آخر تنفيذًا لقانون النقيض، والشيوعية لا بد أن تنفي نفسها. ونذكر أن مبدأ
النقيض أخذه (ماركس) عن الألمانيين (نيتشه) و (هيجل) وَلَكِنَّهُ قَلَبَهُ، فلا يسير على رجليه بل على رأسه، فاستخدمه في مجال آخر غير مجال التصور الذهني عند (نيتشه) وغير مجال الفكر عند (هيجل)، بل جعل ميدانه هو الاقتصاد، وسخر له تاريخ الإنسانية وانتهى إلى أنه باستقراء التاريخ وجد أن كل شيء يتضمن نقيضه، ولكنه وقف عند المجتمع الشيوعي، وكان لزامًا عليه إعمالاً لنظريته أن يجري على هذا المجتمع مبدأ النقيض.
ومن الناحية الاجتماعية:
يقتضي مبدأ النقيض حتمية التغيير، فالقيم والأخلاق عند الماركسيين ليست قابلة للتغيير فحسب بل واجبة التغيير، وهو تغيير إلى الحيوانية، لأنه لا توجد حياة أخرى عندهم، فعلى كل فرد أن يسارع إلى إشباع شهواته وغرائزه بشتى الوسائل.
وبهذا انعدمت رابطة الأبوة، وتلاشت أواصر العائلات، وأصبح الزواج معاشرة جنسية مؤقتة، للرجل أو المرأة العدول عنها والاقتران بشخص آخر في أي وقت، وقد أوجب القانون كتابة ذلك فقط.
هكذا يصبح البطن والفرج هما غاية الإنسان في الحياة، ولذا فالحرمان من الطعام وسيلة الحزب لإخضاع المواطن واسترقاقه تحت ستار العمل والإنتاج ..
والشعوب السوفياتية تشقى لتنال لقمة العيش لا لتبني مستقبلاً سعيدًا، وحدث أن طالب رئيس جمهورية تركستان بعدم نقل القمح إلى روسيا إلا بعد سد حاجة أهله منه، فما كان إلا أن اختفى من الوجود كغيره من الجنرالات الذين يخطفون، ولا يعلم أحد أَبَيْنَ الأحياء هم أم بين الأموات ..
والحرية لقادة الحزب وحدهم وهؤلاء تتفاوت درجاتها بينهم، فلا عجب أن يصبح الرئيس سجينًا في بيته، أو منفيًا في مكان مجهول، أو عاملاً بأحد المحلات دون أي ضمانات.
وسترًا لهذه العبودية ابتدعوا النقد الذاتي، وهذا يستخدم عندما يسيطر أحد الزعماء على السلطة ويريد تنحية سلفه، فيكرهه على نقد نفسه والاستقالة المُقَنَّعَةَ، كما يحدث النقد الذاتي لامتصاص الشعور عندما يصبح الخطأ همس الجماهير الشاغل ..
وإننا لنسائل المتغنين بالحرية الشيوعية من العرب، أين هذه الحرية إذا كان ملايين