الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَدْمُ المِخْيَالِ الدِّينِيِّ وَإِقَامَةِ العِلْمَانِيَّةِ:
يشترك الفكر الماركسي مع الفكر العلماني في إبعاد الدين عن التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتنفرد الماركسية بإنكار وجود الله تعالى، وبالتالي إنكار العبادات، التي تعد في الفكر العلماني من المسائل الشخصية.
لهذا يرى الدكتور جلال أحمد أمين أن التيار الماركسي فرع من فروع التيار العلماني، ولا يختلف عنه إلا في أنه يستوحي مصدرًا آخر من مصادر الفكر بتأكيده على قضية الصراع الطبقي (1).
أي أن العلمانية الغربية واللادينية الماركسية تتفقان في أن الإصلاح المنشود يكون عن طريق استبعاد الدين.
مشكلة المثقفين العلمانيين، كما يحلو لهم هذا النعت، أنهم بحكم عامل الشد الذي يتنازعهم بين الأصالة والمعاصرة قد أصاب فكرهم وانتماءهم شرخ حاد .. شرخ طولي، فتراهم لا هم مع هذه الثقافة ولا هم مع تلك. مصابون بحالة من الاضطراب وانفصام الشخصية في جانبها الثقافي والفكري على وجه الخصوص.
إنهم مع «الأصالة» والأصالة متضمنة التراث، والتراث كله دين وعقيدة وتاريخ إسلامي وفكر إسلامي. وهذه كلها في عرفهم «رجعية» .
ولهذا فهم مع «التقدمية» ، والتقدمية ثورة على الأصالة والثقافة الإسلامية
…
التقدمية اتجاه نحو الغرب بقيمه وأخلاقياته ومفاهيمه.
المشكلة ثانية أنهم يرفضون «الأصالة» ولا يستطيعون الانفصال عنها، وينجذبون نحو «المعاصرة» ، ولا يستطيعون الانسلاخ عن تراث أمتهم بما يشتمل عليه مصطلح «التراث» من فكر وثقافة وعقيدة وفن
…
الخ.
(1)" الوطن " في 25/ 5 / 1987.
من هنا نشأ الاضطراب والقلق في طروحاتهم الفكرية، بل في مسلكهم الحياتي. الأمثلة كثيرة على هذا الانفصام والاضطراب، وترانا هنا نقدم أحدثها وليس آخرها بالطبع:
تقدم إحدى المجلات العربية المتخصصة أحد العلمانيين على هذا النحو: «برغم الفترة الطويلة التي قضاها هشام شرابي في الولايات المتحدة الأمريكية كطالب في البداية، ثم كأستاذ تاريخ في جامعة جورج واشنطن، فإنه لم ينقطع أبدًا عن جذوره
…
».
لا بأس، فالتقديم ينطوي على إطراء جميل، ولكن عزله عن سياق حديث هشام شرابي نفسه فيه ظلم للقارئ وتعمية للحقيقة، فلنقرأ إذن ما قاله الدكتور شرابي جوابًا على سؤال: هل هناك أمل في نهضة ثقافية وفكرية عربية؟. يقول الدكتور مجيبًا: «إن الانتقال إلى مرحلة جديدة قد يتم إذا تبلورت الرؤيا العلمانية التقدمية الحديثة، وإذا تمكن الجيل الطالع من رفض هيمنة " المخيال الديني الرجعي، وتجاوز قيم الثقافة البطركية أهدافها» .
ويضيف متابعًا: «وإن فشل عن ذلك، فليس لهذا المجتمع من مستقبل إلا الفوضى وهيمنة الرجعية» .
وتقع مسؤولية المثقفين التقدميين العلمانيين في رأي الدكتور شرابي، في وضع فكر نقدي جديد يفكك المفاهيم البطركية السائدة، ويمهد الطريق لنشوء رؤيا اجتماعية جديدة تمكن الجيل الطالع من هدم البنية البطركية القائمة، وتجاوزها وإقامة بنية علمانية حديثة مكانها».
مع هذا الحديث يكون شرابي قد انقطع عن جذوره حتمًا. وإلا بات ضروريًا أن نبحث في جذور تراثنا عن هذه (العلمانية) التي من أهدافها نسف (المخيال الديني الرجعي).
ولكن (العلمانية) التى يدعو لها ويتبناها شرابي هي في الحقيقة إفراز للثقافة الغربية .. سنلمس مَعًا هذا الخلط والاضطراب الذي يعيشه العلمانيون في جواب شرابي على سؤال حول التأثر السلبي للثقافة الغربية على الثقافة العربية.
«
…
بالتأكيد، كان هذا التأثير سلبيًا، فقد خلق ثقافة ممسوخة، لا أصالة فيها،
ولا حداثة حقيقية ..».
لقد حيرنا الدكتور، حمانا الله وإياه من حيرة الشك أو الاضطراب أو الدوار الفكري، الذي يصيب كل العلمانيين الذين يمخرون عباب البحر إلى الغرب في سفينة الهجرة عن العقيدة والتراث!! (1).
دعك يا دكتور من الاشتغال بأدوات الغرب فهذه الأدوات لم تصنع إلا «الديسكو» و «الايدز» والفراغ الروحي، والانغماس في المادية حتى العظم، حتى بلي العظم .. الغرب يا دكتور كما تقول أنت في حديثك:«مصدر ويلات العرب ومركز الخطر الداهم الذى يهدد وجودهم ومستقبلهم» .
(1) نقلاً عن جريدة " اللواء " الأردنية بتاريخ 6/ 5 / 1987.