الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعل الضرب العلاج الأخير لحالة خاصة هي النشوز عند فئة خاصة من النساء، وهن من كانت هذه هي طباعهن وفي هذا يقول النبي:«أَيَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ العَبْدَ؟» .
وقد نهى النبي عن عادة ضرب النساء التي كانت في الجاهلية. واشتكى الرجال من أن الزوجات قد تمردن في النشوز أي في الاستعلاء، وطلبوا أن يسمح لهم بالضرب كعلاج قال:«لَنْ يُضْرَبَ خِيَارُكُمْ» . وأخيرًا كان آخر العهد هو دستور حجة الوداع إذ قال النبي: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا وَإِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ» .
ففي الدستور قد أوضح الحالات التي يباح فيها الضرب، وهي التلبس بالفاحشة، أو إدخال الزوجة للغير في بيت الزوجية رغم كراهية الزوج لذلك، ولا شك أن الضرب في مثل هذه الحالات أشرف للزوجة من تطليقها بهذه الأسباب، ومع هذا فإن الضرب ليس مندوبًا إليه بل هو علاج من بين وسائل أخرى للعلاج (1).
تَحْدِيدُ مَوْقِفِ العِلْمَانِيِّينَ وَالقَوْمِيِّينَ وَالإِسْلَامِيِّينَ:
وإذ أشكر الأستاذ الدكتور / عصمت سيف الدولة على الموضوعية والدقة العلمية التي كانت سمات دراسته التي نشرت في " الوطن " عن العروبة والإسلام أود أن يقبل عتابًا لائقًا بمكانته ودراسته القيمة، وأود أن يتعمق دعاة القومية العلمانية وكذا دعاة الإسلام في فهم هذه الدراسة فقد أظهرت ما يأتي:
أولاً: أن كل من يؤمن بفكرة أو عقيدة فهو كافر بما يخالفها، وما يصدق على النظم غير الإسلامية يصدق على الإسلام، فيكفي لقيام النظام الإسلامي أن تقبله الأغلبية وأن عدم قبول الأقلية لهذا النظام يلزمها برأي الأغلبية حتى يقتنع الناس برأي الأقلية إذ يبقى عليهم إقناع الناس برأيهم للحصول على أغلبية بما يرونه. وأنه لا توجد صعوبة في معرفة متى يكون النظام إسلاميًا، وقد يسيئ البعض فهم الإسلام فيعتبر أن رأيه أو مذهبه هو الشريعة الإسلامية، ويكاد أن يفرضه بالقوة، مع أن كل الآراء أو المذاهب التي يشملها تعبير
(1) جريدة " السياسة " في 4/ 6 / 1974.
الشريعة الإسلامية بذاتها فليس أصحابها رسلاً بعد الرسول، أي أنها إسلامية بمقدار ما تستند إلى القرآن والسنة النبوية، وبالتالي فما يعبر عليه البعض من تكفير الرأي المخالف إنما يجعلون أنفسهم أحبارًا، والقاعدة أنه لا إنكار في الأمور الخلافية.
ثانيًا: كشف عن أن نظام فصل الدين عن الدولة - أي العلمانية - ليست نزعة خارج الإنجيل أو موقفًا منكرًا له بل هي ركن من أركان الديانة في أوروبا، ولا كذلك في الإسلام، وسجل انحراف من يقول بخلاف ذلك، فمن الغريب أنهم ما قالوا مقولتهم عن جهل بل عن عمد وتبعية. كما أوضح أن مبدأ الفصل بين الدين والدولة أساسه تحريم تدخل الدولة في شؤون الدين، لكن لما قويت شوكة الدولة في القرن العشرين طبقت المبدأ على الوجه الذي يتفق مع موازين القوة الجديدة، فحرمت على الكنيسة أن تتدخل في شؤون الدولة. (مقال 25/ 12 / 1985).
ثالثًا: أوضح أن العلمانية في مجتمع من المسلمين، هي أن نستبدل بالشرائع والقواعد والآداب التي جاء بها الإسلام شرائع وقواعد وآداب وضعية. (11/ 1 / 1986). وأن الاحتلال الأجنبي ارتهن مصر أرضًا وأذلها شعبًا، وهم يبذرون فيها بذور العلمانية ويستنبتون من أبنائها علمانيين، لأن من المحال مخادعة كل الناس كل الوقت فكان لا بد لكي يقبل الناس نظامهم، من إقناعهم بأن الإسلام دين للهِ وليس نظام للحياة في الوطن، وذلك عن طريق دعوة فكرية (العلمانية) يقوم بها دعاة من العرب المسلمين.
رابعًا: أوضح أن العلمانية التي جعلت مصدر مشروعية أي نظام، هو قبول أغلبية الناس له، وفدت إلينا فاستبدت بنا شعبًا وأرضًا، وفرضت علينا نظامها فرضًا، وخلقت الازدواج في السلطة فنقضت مبادئها، لأنها ليست مع الدين أو ضده بل هي بداية نظام فردي ربوي (6/ 1 / 1986). وضرب أمثلة لنتائج العلمانية بقانون (نابليون) الذي ساد المنطقة العربية، وتغنى به العلمانيون ورجال القانون الذين تربوا على أساس من هذه العلمانية، وأوضح أن هذا القانون يتعارض مع الإسلام في أمور منها:
1 -
إن القانون يعرف الحق في حالة السكون كالحق في الحرية وفي المساواة، أي دون أن يتوفر لصاحبها مضمون هذا الحق، والإسلام يعرف الحق في حالة الحركة كمضمون عيني يمارسه صاحبه فعلاً فيضع يده عليه ويتبعه.
2 -
القانون يطلق ملكية الأرض بغير حدود، والإسلام يضع قيودًا لصالح المجتمع.
3 -
والقانون يطلق حرية استعمال الحقوق بغير قيود حتى لو أتلف الشيء وحرم المجتمع
منه، والإسلام يجعل استعمال الحق محدودًا بمصالح المجتمع.
4 -
القانون سالف الذكر يجعل تعويض الضرر منوطًا بالفاعل المباشر، والإسلام يجعل هذا التعويض للفاعل المباشر والفاعل غير المباشر أي المتسبب في الضرر.
5 -
القانون لا يحمي المغفلين والنظام الإسلامي يحمي ذي الغفلة والمغبون أو ضحية الغش والتدليس.
6 -
القانون لا يحرم الربا والزنا، والإسلام يحرم ذلك تحريمًا قطعيًا كما حرمته كل الأديان.
فهل آن الأوان لأتباع العلمانية، من العرب أَسَرُّوا أَوْ جَهَرُوا بالتبعية للشرق أو الغرب أن يكفوا عن خداع الشباب بهذه الفلسفات الخاطئة الكاذبة، والتي تزعم أن الحكم الإسلامي يردنا إلى نظام الحكومة الإلهية في أوروبا، وهو ما كان يردده الدكتور وحيد رأفت والدكتور خلف الله وتلاميذهما هنا وهناك.
خامسًا: أوضح أن الإسلام لا يتفق مع العلمانية في أكثر من وجه، ولهذا فإنه طالما أن أغلب الشعب العربي مسلمون فسبيل خديعتهم بالعلمانية هو الإبقاء على الإسلام كدين للهِ واستبعاده كنظام للحياة، لتخلو الحياة العربية لنظام علماني لا يتفق مع الإسلام نظامًا، وهذا هو النفاق طبقًا لمعايير الصدق والكذب في مخاطبة شعب عربي مسلم.
سادسًا: كشف أن وحدة الانتماء إلى الإسلام لا تلغي الانتماء القومي، وأن تعدد الانتماء القومي لا يناقض وحدة الانتماء إلى الدين الإسلامي.
وأوضح أن الحضارة العربية حضارة إسلامية، حسبما يكشفه الواقع من الحياة العامة للعرب مسلمين وغير مسلمين فمعيار الحكم على الأشياء عند الجميع يتم بمقياس الإسلام كتحريم الكذب والغش والظلم والفواحش .. وأكد أنه لا شك أن الشعب العربي إذا تحققت وحدته شعبًا ووطنًا ليقيم دولته فلن يقبل إلا الإسلام، لأن الأمة العربية هي أمة الإسلام، والحضارة العربية هي حضارة الإسلام وبهذا المنطق فإن الدكتور سيف الدولة قد كشف النقاب عن عمالة وتبعية المثقفين العرب الذين يستترون بالعلم و (مركز دراسات الوحدة العربية)، فزعموا أن من مقومات القومية العربية التمسك بالعلمانية لأنها تمنح العرب حرية وانطلاقًا لتحقيق الصالح العام، وهذه مقولة الدكتور محمد خلف الله، في كتاب " الإسلام والقومية العربية ": ص 55. وفي نفس المرجع نسب إلى الدكتور محمد عمارة أن المصلحة هي المعيار، وهي تقوم على النص ولو كان قرآنًا قطعي الثبوت وقطعي الدلالة: ص 554، وذلك على الرغم من أنه في موضع آخر يقول: أراد أحد آباء الكنيسة القبطية وضع قانون مدني،