الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الرأي لم يكن عند أحد من الصحابة والتابعين (1).
رَابِعًا: رَدُّ العَقْلِ لِلْسُّنَّةِ:
يقول شيخنا في مقاله الأخير: «إن الحديث النبوي له صورتان من الانقطاع. الانقطاع الظاهر: وهو انقطاع السند بسقوط فرد أو أكثر من سلسلة السند، وهو يقضي بعدم حجية الحديث، والانقطاع الباطن: وهو أن يكون سند الحديث متصلاً لكن يقع معناه على خلاف مقتضى العقل، فيكون من أسباب انقطاع معناه وترك العمل به» .
ولقد نسب هذه المقولة إلى الخوارج وعززها بقوله: «إن روح العصر الحاضر ومشاعر الناس في هذ الزمن لم تعد تحتمل وقع هذه العقوبة الشنيعة، وأصبح ذلك موضع نقد موجه إلى أحكام الفقه الإسلامي الاجتهادي، لا نقول إلى الشريعة الإسلامية وهو نقد غير مرفوض حتى من وجهة نظر الشريعة نفسها، لأن الشريعة يجب أن تكون فيما لا يصطدم بقطعي، أداة قانونية مرنة موظفة للتعبير عن مشاعر الجماهير المتطورة بتطور العصر» .
هذا الذي يؤمن به شيخنا ويدعو المسلمين للإيمان به يحتاج إلى وقفة موضوعية، لأن الإيمان به من شأنه أن يصبح كل من يظن أن عقله قد بلغ مرتبة الاجتهاد حاكمًا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيرد ما يشاء منها، ويحل منها ما يشاء ويحرم ما يشاء. وبهذا يصبح عند المسلمين الآلاف من الأرباب الذين يملكون التحليل والتحريم، وهذا ما حذر منه ربنا في القرآن الكريم، وفصله بالسنة النبوية حيث قال النبي لعدي بن حاتم:«أَلْقِ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» وَكَانَ يَحْمِلُ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَاءَ يُعْلِنُ إِسْلَامَهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، فَقَالَ عَدِيٌّ:«مَا عَبَدْنَاهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ» . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَكُمْ الحَرَامَ فَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» . قَالَ: «بَلَى» ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَتِلْكَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُمْ» (*).
ولسنا ندري ما هو العقل الذي سيحكم على الحديث النبوي بعدم حجيته وعدم جواز العمل به لأن معناه يخالف هذا العقل.
إن النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله قد أخبرنا أن شؤون الدنيا تخضع لعقول الناس
(1)" السياسة " 21/ 7 / 1982 - أول شوال 1402 هـ نقلاً عن " الوطن " 25 رمضان. هذا والشيخ [محمد] سعاد جلال ليس علمانيًا بل يعد نفسه من كبار المجتهدين الشرعيين، ولكنه في اجتهاده ردد مقولات العلمانية العربية وبحث لها عن استدلالات شرعية، فالتقى مع العلمانية في هذه النتيجة وهي استبعاد السنة في الحدود أو في الأحكام الشرعية مع التفاوت في ذلك.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) قارن بما في صفحة: 14، 50، 248، 251، 255 من هذا الكتاب.
وتجاربهم فقال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ» .
ومن المعلوم للكافة أن العقل لا يستطيع الحكم على شيء إلا من خلال الحواس الخمس، فهي التي تمده بما يحكم به، فمثلاً لا يعرف الأبيض من الأسود إلا عن طريق حاسة البصر. فكيف يحكم العقل على السنة النبوية وهي من الوحي، ولا تتضمن أحكامها بأمور الحلال والحرام، وهذه تخرج عن نطاق الحواس الخمس وعن نطاق أحكامها بأمور الحلال والحرام، وهذه لا تخرج عن نطاق الحواس الخمس وعن نطاق التجارب البشرية. ومن المعلوم للكافة أن الناس تتفاوت أحكامهم وتختلف اختلافًا كبيرًا في الأمور التي لا تخضع لنطاق الحواس الخمس، فأي عقل من هذه العقول يصبح هو الحكم على هذه الخلافات.
إن الإسلام قد صحح الانحرافات التي مارسها كثير من رجال الدين من أهل الكتاب حيث زعموا أن بيدهم صكوك الغفران والحرمان، فجاء القرآن وأبطل اختصاص هؤلاء بالتحليل والتحريم. فهل تعود هذه الانحرافات مرة أخرى تحت اسم جديد هو حكم العقل. إن العقل لا يصدق أَنْ يَرُدَّ أحد البصر للأعمى، أو أن يحيي الموتى، ولكن القرآن قد أخبر أن نبي الله عيسى فعل ذلك فصادقنا ذلك وقبلناه، لا بحكم العقل، بل بالإيمان بصدق القرآن.
والإيمان بصدق النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يجعلنا نقبل الأحكام التي جاء بها عن طريق السنة أو القرآن ومع هذا لم يثبت أحد أنها تضر بالخلق.
كما أن عقول الأوروبيين تحسن الزنا وتراه أمرًا عاديًا وليس جريمة في حق المجتمع. فهل تصبح هذه العقول حكمًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواءً نطق بهذا الحكم شخص غير مسلم، أو نطق به مسلم بلسانه لكنه أوروبي بعقله وبيانه.
إن مشاعر أصحاب هذه العقول لا تحكم على الله ورسوله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. إن مشاعر ملايين من البشر في روسيا قد تقبل أن يقتل السارق ولكنها لا تقبل أن تعاقب الزوجة الزانية بأدنى العقوبات، وهي مشاعر دعاة الحرية الجنسية ترى أن الرجم عقوبة شنيعة بينما رجم القرى والمدن بأهلها بوابل من القنابل في لبنان وفلسطين وأفغانستان وأرتريا وكشمير وتشاد والفلبين لا يعد أمرًا شنيعًا أو مَاسًّا بمشاعر الناس، ومع هذا يصبح من الاجتهاد في شرع الله أن يقال إن اعتراض هؤلاء على عقوبة الزنا نقد غير مرفوض من وجه نظر الشريعة نفسها.
ثم من هو الذي يملك أن يتحدث وحده باسم الشريعة ليقول: إن هذا مقبول من جهة نظر الشريعة. إن الشريعة الإسلامية لا تعبر عن مشاعر الجماهير المتطورة بتطور العصر. فهذه المشاعر تحل الزنا والخمر والقتل الجماعي وغير ذلك من الموبقات والمهلكات، وقد جاء الإسلام لتحكم نصوصه من قرآن وسنة على أعمال هؤلاء وتصحح أخطاءهم، فكيف تتبع الشريعة مشاعرهم؟.
حسبنا أن الله تعالى قد قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (1).
وحسبنا قول الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2).
وبالله تعالى نعتصم ونتأيد.
ملحوظة: تناولت الطبعة الثالثة من كتاب " السنة المفترى عليها " الرد على جميع الشبهات الخاصة بالسنة النبوية ومنها شبهات الشيخ [محمد] سعاد جلال وعز الدين بليق وحسين أحمد أمين، والشيخ محمود أبو رية وجولدتسيهر وغيرهم.
(1)[المائدة: 48].
(2)
[النور: 51].