الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن أعداء الإسلام شرقًا وغربًا من جهلة أبناء المسلمين، مازالوا يصفون الإسلام بالرجعية أو باليمين الرجعي، وهو وغيرهم لا يجهلون أن الله تعالى حذر القاعدين عن الجهاد في سبيل الله ومن استكانوا أمام الكفر والظلم، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (2).
إن الدنيا كلها لا تنكر هذا ولا تستطيع أن تتجاهل هذه الآيات البينات، كما أنها لا تنكر أن أول حكومة بعد النبي صلى الله عليه وسلم قاتلت الأغنياء انتصارًا للفقراء. فقال أبو بكر الصديق قولته المشهورة:«وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَقَالاً، كَانُوا يُؤَدُّونَهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، مَا اسْتَمْسَكَ السَّيْفُ فِي يَدِي» .
ومع هذا فما زال يظهر بيننا من يزعم صراحة أو ضمنًا أن العودة إلى الإسلام هي عودة إلى الرجعية وإلى الوراء؛ لأنه عودة إلى تشريعات صدرت منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، وهؤلاء جاهلون أو متجاهلون أو مغرضون.
جَاهِلِيَّةُ القَرْنِ العِشْرِينَ وَلُعْبَةُ المُضَلِّلِينَ:
إن الذين يزعمون أن العودة إلى الإسلام هي عودة إلى الرجعية؛ لأنها عودة إلى أنماط من السلوك مضت عليها قرون .. طالت أم قصرت
…
هؤلاء ضحايا الجاهلية الحديثة، وقد أصبحوا أداة للمضللين ولعبة بأيديهم.
فالإسلام ما جاء ليحكم الصناعة والمعمار ووسائل الحياة المادية، إنما أكد أنه يترك هذه الأمور تتغير مع الحياة المتجددة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ» .
إنما ينصب حكم الإسلام وتشريعاته على القيم الأخلاقية وهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فالكذب رذيلة منذ خلق اللهُ آدمَ، وسيظل رذيلة إلى أن تقوم الساعة.
إنما ينصب حكم الإسلام
(1)[النساء: 75].
(2)
[النساء: 97].
والفكر اليهودي والميكيافيلي الذي يزعم أن الغاية تبرر الوسيلة، فكر مضلل؛ لأن الغاية الشريفة لا يمكن أن تخدمها إلا وسيلة شريفة، ولهذا فإن جواب الإسلام عن تلك التي تزني وتتصدق هو:«لَيْتَهَا مَا زَنَتْ وَمَا تَصَدَّقَتْ» .
إن (دوركايم) وغيره ممن جعلناهم فلاسفة لعلم الاجتماع، قد دفعت بهم اليهودية ليضللوا البشرية، ومن ثم خرجوا على الناس بما يسمى بنظرية «نسبية القيم» .
وهذه النظرية اليهودية، ترجع إلى مبدأ أساسي في الفكر اليهودي وهي أن اليهود غير ملزمين باتباع الاخلاق مع غيرهم. وفي هذا قال اللهُ عنهم:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (1). وهذا هو الوارد في مخططهم السري. فالبروتوكول الأول من " بروتوكولات حكماء صهيون " جاء به: «مِنْ خِلَالِ الفَسَادِ الحَالِيِّ الذِي نَلْجَأُ إِلَيْهِ مُكْرَهِينَ سَتَظْهَرُ فَائِدَةُ حُكْمٍ حَازِمٍ يُعِيدُ إِلَى بِنَاءِ الحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ نِظَامَهُ الذِي حَطَّمَتْهُ التَّحَرُّرِيَّةُ.
إِنَّ الغَايَةَ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ، وَعَلَيْنَا ـ وَنَحْنُ نَضَعُ خِطَطَنَا ـ أَلَاّ نَلْتَفِتَ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ وَأَخْلَاقِيٌّ».
وفي البروتوكول الثاني ما نصه: «وَالأُمَمِيُّونَ (غَيْرُ اليَهُودِ) لَا يَنْتَفِعُونَ بِالمُلَاحَظَاتِ التَّارِيخِيَّةِ [المُسْتَمِرَّةِ بَلْ يَتَّبِعُونَ نَسَقًا نَظَرِيًّا مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ نَتَائِجُهُ]. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَسْنَا فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْ نُقِيمَ لِلأُمَمِيِّينَ وَزْنًا .... دَعُوهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ هَذِهِ القَوَانِينَ النَّظَرِيَّةَ التِي أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ بِهَا إِنَّمَا لَهَا القَدَرَ الأَسْمَى مِنْ أَجْلِهِمْ
…
وَبِمُسَاعَدَةِ صَحَافَتِنَا تَزِيدُ ثِقَتُهُمْ العَمْيَاءَ بِهَذِهِ القَوَانِينِ».
وعلى ذلك فإن الذين ينادون بالتمسك بنمط السلوك والمناهج الموروثة عن السلف الصالح لا يمكن أن يوصفوا بالرجعية، من ذا الذي يجرؤ أن يصف الأنبياء وأتباعهم بالرجعية، إلا أن يكون جاهلاً.
وإذا افترضنا جدلاً أن كل إحياء لفكر سابق هي عودة إلى الماضي، فإن الماضي ليس فيه عيب ولا تتوارى منه طالما أنه من التشريعات والمناهج التي تحكم السلوك والغرائز؛ لأن هذه لا تتغير بتغير الزمان والمكان. وتحديد طبيعة الخير والشر أو الحق والصواب فهذا يخرج عن اختصاص البشر ووظائفهم، لأن الناس إنما يحكمون على الأشياء عن طريق الحواس الخمس، وبالتالي فإن كل ما خرج عن هذه الدائرة لا يستطيع الإنسان أن يضع فيه حكمًا سديدًا، بل يتخبط بالتجارب، تارة يصيب وكثيرًا ما يخطئ.
(1)[آل عمران: 75].
ولهذا فالتشريعات التي يضعها البشر في نطاق السلوك والأخلاق والمعاملات تقترن بتغيرات مختلفة، وبالتالي فهي تتطلب تفسيرًا ثم تشريعًا آخر، وتظل ناقصة وعاجزة عن حكم حياة البشر، لأنها حكمت في أمر يخرج عن مجال العلوم التجريبية الخاضعة للحس والمشاهدة، وهي العلوم التي جعلها الله من خصائص الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ» .
أما ما غاب عن الحواس الخمس ونعني به المجال التربوي والأخلاقي والتشريعي في غير المعمار والصناعات، فذلك ليس من اختصاص البشر، وقد تكفل الله به عن طريق الرسل والأنبياء.
وفي هذا قال اللهُ تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (1) صدق الله العظيم.
فهل تدرك هذا جاهلية القرن العشرين؟
(1)[الحديد: 25].