الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليَسَارُ الإِسْلَامِيُّ بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالوَهْمِ:
إن الأسباب والمبررات التي ساقها أصحاب اصطلاح اليسار الإسلامي واليمين المسلم تبعد كثيرًا عن الحقائق التاريخية والمصطلحات العلمية، وهذا ما نوجزه فيما يلي:
أولاً: اليسار السياسي والاجتماعي:
إن اصطلاح اليسار واليمين قد كان في بدايته اصطلاحًا سياسيًا، فقد نتج عن الثورة الفرنسية أن انعقدت الجمعية التشريعية في أول أكتوبر 1791 م، لتنفيذ الدستور وحماية نتائج الثورة ومكاسبها، وقد انقسم أعضاؤها إلى يسار ويمين ووسط (" تاريخ القرن التاسع عشر " لمحمد قاسم وحسين حسني: ص 18 عام 49).
أ - أفكار اليسار يضم أنصار اليعاقبة الذين ينقمون على الدستور اعتداله في عرفهم ونادوا بالجمهورية وإلغاء طبقة الإقطاع.
ب - وكان حزب اليمين من أنصار جماعة القويان الذين يعضدون الدستور ويحافظون عليه.
ج - وكان حزب الوسط ويشمل الذين غلب عليهم طابع الحذر والتردد فليسوا من أنصار اليمين أو اليسار.
ثانيًا: اليسار الاعتقادي:
إذا كانت الثورة الفرنسية واليسار السياسي هما رد الفعل السياسي والاجتماعي لمظالم رجال الدين وأمراء الإقطاع في أوروبا فإن رد الفعل قد تمثل في الآتي:
- حركة الإصلاح الديني التي قادها (مارتن لوثر) في القرن الخامس عشر، فكافح تعليم البابوية وسماها تعاليم الشيطان، وطالب بإلغاء سلطة البابا وصكوك الغفران والحرمان.
ظهر (نيتشه) في القرن الثامن عشر وطالب باستقلال العقل وسيادته على النفس والعالم الخارجي عنه، وقال بالنقيض في مجال القصور الذهني وذلك بإدراك قيمة العقل واستقلاله وحريته.
ومع بداية القرن التاسع عشر ظهر (هيجل) واستخدم مبدأ النقيض في مجال الفكرة، فادعى أن خلق العالم يرجع إلى فكرة اسمها " العقل المطلق ". فالله في نظره فكرة
مطلقة أو عقل مطلق، ونقيض ذلك العقل المقيد وهي الطبيعة التي هي ضد العقل المطلق فهي مقيدة ومحدودة.
فالله عند (هيجل) لم يخلق الطبيعة بل يحمل في ذاته نقيضه، لذلك كانت الطبيعة ضرورية وصدفة وليس فيها حرية اختيار، والدولة هي صورة من صور العقل المجردة التي تمثل الإرادة العاقلة الإلهية، ولهذا كان (هيجل) يدعو إلى طاعة الدولة طاعة عمياء، فسمى بفيلسوف البلاط، ومن ثم ظهر المذهب الوضعي الذي [دعا] إليه (كونت)، ويرفض سيادة الدين أو العقل ويميل إلى سيادة الطبيعة على الدين والعقل الذي لا يعترف إلا بما جاء عن التجارب الحسية، وادعى (كونت) أن ما وراء الطبيعة «الله والوحي والدين» هو وهم سراب.
ثم جاء (كارل ماركس) بعد هذه المراحل وبعد تكتل القوى ضد الدين الكنسي وضد الإقطاع فاستخدم مبدأ النقيض في مجال الاقتصاد ودعا إلى الفلسفة المادية التي تستخدم جدلية (هيجل) ولكنه ادعى أنها كانت مقلوبة فعدله، فـ (هيجل) يقول: إن العقل أساس الخلق، بينما (ماركس) يقول: إن المادة خالقة العقل، وينكر وجود الله تمامًا.
وكان من أثر الثور الفرنسية 1789 م قيام النظام الرأسمالي الذي رفع شعار الحرية وفصل الدين عن الدولة، وعبارة (آدم سميث) هي:«دعه يعمل، دعه يمر» ، وبالتالي سيطر رأس المال على الأخلاق وعلى مقدرات البشر، وتحكم كالماركسية في حاضرهم ومستقبلهم، وأصبحت المنفعة هي الضابط الذي يتحكم في الإنسان (1).
(1)" السياسة في 30/ 5 / 1986 وتفصيل الموضوع في كتاب " الغزو الفكري للتاريخ والسيرة ".