الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعل ذلك خالد محمد خالد في كتابه " من هنا نبدأ "، وبعد ثلاثين عامًا من صدور الكتاب أعلن صاحبه عن هذه الخطيئة، وذلك في كتابه الجديد باسم " الإسلام والدولة " وأوضح أنه كان يخلط بين الحكومة الدينية في أوروبا وبين الحكم الإسلامي من خلال نظرته لتصرفات بعض الأفراد.
ولعل الباحثين الموضوعيين من المسلمين وغيرهم، لا ينكرون أن قواعد الإسلام تعطل خصائص الحكم الديني في جميع العصور؛ لأنه يمنح الحاكم عصمة تجعله مفوضًا عن الله فيما يفعل، فلا يخضع للمحاسبة أو المراجعة، وكل ما يصدر عنه إنما يصدر باسم الحق الإلهي المفوض هو فيه.
وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم حكم الله في هذه المسالة عندما أسلم أحد كبار رجال الدين من أهل الكتاب وهو عَدِّيٌّ بْنُ حَاتِمٍ، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم قول الله:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (1). ولما ظن عَدِّيٌّ أن العبادة من دون الله تعني السجود والصلاة للأحبار والرهبان وهم لا يفعلون ذلك فقال: «مَا عَبَدْنَاهُمْ» . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَكُمْ الحَرامَ وَيَحَرِّمُوا عَلَيْكُمْ الحَلالَ فَتَتَّبِعُونَهُمْ؟» ، قَالَ عَدِّيٌّ:«بَلَى» ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَتِلْكَ عِبَادَتَهُمْ مِنْ دُونَ اللهِ» (*) - لا يكون للحاكم بالتشريع الإسلامي عصمة، فهو يخضع للمحاسبة كآحاد الناس.
ثَانِيًا: الخَلْطُ بَيْنَ نِظَامِ الخِلَافَةِ وَبَيْنَ التَّشْرِيعِ وَالمَذَاهِبِ وَالأَدْيَانِ:
خلط بعض الكُتَّابِ بين نظام الخلافة وبين الالتزام بالتشريع الإسلامي من جانب، والالتزام بمذهب بعينه من جانب آخر. وأوضح ما يلي:
1 -
لا يوجد ارتباط بين التزام كل دولة إسلامية بالتشريع الإسلامي في إقليمها وبين الطعن بعدم دستورية نظم الحكم الحالية طلبًا في توحيدها في نظام الخلافة الإسلامية، الذي لا يقبل تعدد الخلفاء، فهذه مرحلة أخرى يلزم أن يسبقها تربية الجيل أو الأجيال يحملون هذه الرسالة والأمانة، ويسعون إلى تطبيقها بتجرد وإخلاص حتى تتحد الدول في أي شكل أو صورة. وحتى يتم ذلك، فالدستور إذا تضمن نصًا بأن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، مع نص آخر يحدد نظام الحكم في الدولة، فلا يترتب على النص الأول أي انعدام للدستورية نظام الحكم الوارد في النص الآخر، إذا تضمن الدستور قيام هذا
(1)[التوبة: 31].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر: التعليق في ص 14 من هذا الكتاب.
النظام على أساس الشورى والعدل اختيار الأغلبية للحاكم ورضاها به، ثم حدد الوسيلة لذلك.
فضلاً عن ذلك فإنه من القواعد الفقهية، أن حكم الحاكم وقضاء القاضي لا يعد باطلاً إلا إذا اصطدم بنصوص شرعية قطعية الدلالة، أو اصطدام بقاعدة شرعية إجماعية ونظام الحكم من الأمور التي ترك الإسلام فيها مجال الاجتهاد في حدود العدل والشورى ومن ثم فالطعن بعدم الدستورية في الأمور الخلافية لا محل له.
2 -
أن الالتزام بالتشريع الإسلامي لا يمس حقوق غير المسلمين؛ لأن الإسلام كفل لهم حرية الاعتقاد وتطبيق تشريعهم في الأحوال الشخصية.
ومن المعلوم للكافة أن " الإنجيل " ليس فيه أحكام تشريعية في المسائل المدنية والتجارية، ولهذا يأخذ النصارى في كل دولة بتشريعها في هذا المجال.
فضلاً عن ذلك فالقوانين الدولية قد تواترت على إقليمية التشريع في جميع التشريعات إلا مسائل الأحوال الشخصية، وبمقتضى ذلك يخضع الشخص لقانون الإقليم الذي يعيش فيه، وبالتالي ففي الأمور الجزائية والمدنية والتجارية، أي فيما عدا الأحوال الشخصية يخضع الشخص لتشريع وطنه، أي يخضع لتشريع الإقليم الذي تمت فيه الوقائع، كما يخضع النصارى في غير الدول الإسلامية للتشريعات المدنية والتجارية لهذه الدول، كما يخضع النصارى وغيرهم من الأقليات في البلاد الإسلامية لتشريعاتها في هذا المجال طبقًا لهذه القاعدة، وهي إقليمية القانون أي سريانه من حيث المكان.
3 -
إن الإسلام لا يكرس المذهبية والخلافات، ولا توجد أي مشكلة في تطبيق التشريع الإسلامي، لأن الله عز وجل يقول:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) أي أن الفيصل في المسائل الخلافية أو المذهبية هو القرآن والصحيح من الحديث النبوي، فإن احتمل النص أكثر من دلالة في المعنى، فما تراه أغلبية الفقهاء محققًا لمصلحة المجتمع فهو التشريع الملزم طبقًا للقاعدة الفقهية - المشار إليها في البند [1]- وبالتالي ما يثار من الخلافات المذهبية لا أثر له على التشريع.
(1)[النساء: 59].