الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عباس: قال سكين، وعدي بن ثابت: يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى، فأنزل الله في ذلك من قولهما:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} إلى آخر الآيات.
وقوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} .
قال ابن كثير: والزبور: الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام.
قال البغوي: وكان فيه التحميد والتمجيد، والثناء على الله عز وجل، ثم روي بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك، لقد أعطيت مزمارًا من مزامير آل داود» ، فقال: أما والله يا رسول الله لو علمت أنك تسمتع لحبرته تحبيرًا. وكان عمر رضي الله عنه إذا رآه يقول: ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده.
وقوله تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} في حديث أبي ذر الطويل قلت: يا رسول الله كم
الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا» . قلت: يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير» .
وقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} هذا تشريف لموسى عليه السلام، كما قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال: سمعت رجلاً يقرأ: وكلم اللهَ موسى تكليمًا فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا كافر. وقرأها رجل كذلك على بعض المشايخ فقال له: ياابن اللخناء كيف تصنع بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} ؟ ! يعني: أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل. قال الفرّاء: العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلامًا بأي طريق وصل، ولكن لا تحقّقه بالمصدر، فإذا حقّق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام. وقال ابن عباس: لما سمع موسى كلام الآدميين، مقتهم ممّا وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل.
وقوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} ، عن السدي:{لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ، فيقولوا: ما أرسلت إلينا رسلاً. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أَغْيَرُ من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد
أحبّ إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه» .
عن ابن عباس قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من يهود فقال لهم: «إني والله أعلم لتعلمون أني رسول الله» فقالوا: ما نعلم ذلك، فأنزل الله {لَّكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً} قال قتادة: شهود والله غير متّهمة.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَالاً بَعِيداً} ، أي: كفروا في أنفسهم، فلم يتبعوا الحق وسعوا في صد الناس عن اتباعه.
قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه
ورسوله، الظالمين لأنفسهم بذلك، بالصدّ عن سبيله، وارتكاب محارمه، وانتهاك مآثمه، بأنه لا يغفر لهم، {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً} ، أي: سبيلاً إلى الخير {إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ} وهذا استثناء منقطع، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} .
قال البغوي: وهذا في حق من سبق حكمه فيهم أنهم لا يؤمنون.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ} ، أي: يكن الإيمان خيرًا لكم، {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} .
قال ابن جرير: يقول: {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً} بما أنتم صائرون إليه من طاعته فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، ومعصيته في ذلك، وعلى علم منه بذلك منكم أمركم ونهاكم {حَكِيماً} ، يعني: حكيمًا في أمره إيّاكم بما أمركم به، وفي نهيه إياكم عما نهاكم عنه، وفي غير ذلك من تدبيره فيكم وفي غيركم من خلقه، والله أعلم.
* * *