الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والأربعون بعد المائة
(سورة الحجر)
مكية، وهي تسع وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{آلَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَاّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَاّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
(20)
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا
فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) } .
* * *
قال في جامع البيان: {آلَرَ تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة. {آيَاتُ الْكِتَابِ} القرآن، {وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} ، أي: تلك آيات جامعة لكونها آيات كتاب كامل وقرآن يبيّن الأحكام. وعن أبي موسى قال: (بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة واجتمع أهل النار في النار، ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة: ألستم مسلمين؟ قالوا: بلى. قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها، فسمع الله ما قالوا. فأمر بكل من كان من أهل القبلة في
النار فأخرجوا، فقال من في النار من الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:« {آلَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} » . رواه ابن جرير.
وعن الزهري في قوله: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} ، قال: نرى أنه إذا حضر أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدّم، وأما ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخّر ما شاء ويقدّم ما شاء.
وقوله تعالى: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} ، أي: القرآن {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، أي: هلا تأتينا بالملائكة شاهدة لك؟ قال الله {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَاّ بِالحَقِّ} قال مجاهد: بالرسالة والعذاب {وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} .
قال البغوي: ومعناه أنهم لو نزلوا أعيانًا لزال الإمهال عن الكفار وعذّبوا في الحال.
وعن قتادة: قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقال في آية أخرى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلاً ولا ينقص منه حقًا، حفظه الله من ذلك.
وقال ابن كثير: (ثم قرّر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل) .
قلت: والحكمة في حفظ الله تعالى للقرآن دون سائر كتبه أنه آخرها، وأن الذي جاء به خاتم الأنبياء، فأبقاه الله محفوظًا حجة على خلقه.
وعن ابن عباس: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} ، يقول: أمم الأولين. وعن قتادة: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} ، قال: إذا كذبوا سلك في قلوبهم أن لا يؤمنوا به {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} ، قال: وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم.
وعن ابن عباس: قوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} ، يقول: لو فتحنا عليهم بابًا من السماء فظلّت الملائكة تعرج فيه، لقال أهل الشرك: إنما أخذت أبصارنا، وشُبّه علينا، وإنا سُحِرنا، فذلك قولهم:{لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
وعن قتادة: قوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} ، قال قتادة: كان الحسن يقول: لو فعل هذا ببني آدم،
…
{فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} ، أي: يختلفون لقالوا: {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} .
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
(20)
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) } .
عن مجاهد في قوله: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً} ، قال: كواكب.
وقوله: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} ، قال ابن عباس: تصعد الشياطين أفواجًا تسترق السمع قال: فينفرد المارد منها فيعلوا فيُرمى بالشهاب، فيصيب جبهته أو جنبه، أو حيث شاء الله منه فيلتهب، فيأتي أصحابه وهو يلتهب، فيقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا، قال: فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة، فيزيدون عليه أضعافه من الكذب،
فيخبرونهم به، فإذا رأوا شيئًا مما قالوا قد كان صدّقوهم بما جاؤوهم به من الكذب. وقال الضحاك: كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل، ولكن تحرق، وتخبل، وتجرح من غير أن تقتل. وقال ابن جريج: الرجيم الملعون.
وقوله تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} ، قال ابن عباس: معلوم. وقال مجاهد: مقدور بقدر
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} ، قال مجاهد: الدواب والأنعام. وعن ابن مسعود قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه حيث شاء، عامًا ها هنا، وعامًا ها هنا، ثم قرأ:{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} .
وقال الضحاك في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقّحه فتمتلئ ماء. وعن عبيد بن عمير قال: تبعث المبشّرة فَتَقُمُّ الأرض قَمًّا، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلّفة فتؤلّف السحاب، ثم يبعث الله اللقواقح فتلقّح الشجر، ثم تلا عبيد:
…
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} . وقال قتادة: لواقح السحاب، وإن من الريح عذابًا وإن منها رحمة. وقال ابن مسعود: يبعث الله الريح فتلقّح السحاب، ثم تمر به فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثم تمطر.
وقال سفيان: {وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} بمعانين. وعن عكرمة في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ، قال: هم خلق الله كلهم، قد علم من خلق منهم إلى اليوم، وقد علم من هو خالقه بعد اليوم {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} .
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ
لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44) } .
قال ابن عباس: خلق آدم من صلصال من حمإ ومن طين لازب، وأما اللزب فالجيّد اللازق، وأما الحمأ فالحمأة، وأما الصلصال فالتراب المدقّق، وإنما سمي إنسانًا لأنه عهد إليه فنسي، وقال قتادة: الصلصال الطين اليابس يسمع له صلصلة. وعن مجاهد: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ، قال: منتن.
وعن قتادة: {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} وهو إبليس خلق قبل آدم، وإنما خلق آدم آخر الخلق، فحسده عدو الله إبليس على ما أعطاه من الكرامة، فقال: أنا ناريّ وهذا طينيّ، فكانت السجدة لآدم والطاعة لله تعالى ذكره فقال: اخرج منها فإنك رجيم. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ، قال الضحاك: يعني: المؤمنين. وعن مجاهد في قوله: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} ، قال: الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه، لا يعرّج على شيء. وفي بعض الآثار:(أن نبيًا من الأنبياء قال لإبليس: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ قال: آخذه عند الغضب والهوى) .
وعن عكرمة في قوله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} ، قال: لها سبعة أطباق. وقال عليّ رضي الله عنه: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم تمتلئ كلها. وقال ابن جريج:{سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
عن أبي أمامة قال: (لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غلّ، ثم ينزع منه مثل السبع الضاري) . وعن إبراهيم قال: جاء ابن
جرموز قاتل الزبير استأذن على عليّ فحجبه طويلاً، ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتجفوهم! قال عليّ: يفيك التراب! ، إني لأرجوا أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} . وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة» . والله أعلم.
* * *