الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم.
قال ابن كثير: والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة؛ لئلا يلبس على القارئ قراءته؛ ويخلط عليه، ويمنعه من التدبر والتفكر.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ، قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} ، قال مجاهد: يطيعونه، {وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} يعدلون بالله وقال الضحاك: عدلوا إبليس بربهم، فإنهم بالله مشركون، وقال ابن عباس السلطان على من تولى الشيطان، وعمل بمعصية الله.
قوله عز وجل: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لَا
يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) } .
عن قتادة: قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} هو كقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} . وقال ابن زيد في قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} تأتي بشيء وتنقضه فتأتي بغيره، قال: وهذا التبديل ناسخ، ولا تبدّل آية مكان آية إلا بنسخ.
وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} . قال محمد بن كعب القرظي: {رُوحُ الْقُدُسِ} جبرائيل. وقال ابن إسحاق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني - كثيرًا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني، يقال له: جبر، عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل الله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} .
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه لا يهدي من أعرض عن ذكره، وتغافل عما أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له قصد إلى الإيمان بما جاء من عند الله، فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله إلى الإيمان بآياته، وما أرسل به
رسله في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} موجع في الآخرة، ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفترٍ ولا كذاب، لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله شرار الخلق، الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين، المعروفين بالكذب عند الناس، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس، وأبرّهم، وأكملهم علمًا وعملاً وإيمانًا
وإيقانًا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشكّ في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا بالأمين محمد، لهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيما قال له: (هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل . انتهى.
قوله عز وجل: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) يَوْمَ
تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) } .
عن ابن عباس: قوله: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} إلى آخر الآية، (وذلك أن المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذّبوه ثم تركوه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي لقي من قريش الذي قال، فأنزل الله تعالى عذره) . وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كيف تجد قلبك» ؟ قال: مطمئنًا بالإيمان. قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن عادوا فعد» . رواه ابن جرير. وفي رواية البيهقي فقال: يا رسول الله ما تُركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير؛ وفي ذلك أنزل الله: {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} .
قال ابن كثير: اتفق العلماء على أن المكرَه على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله، فيأبى عليهم وهو يقول: أحد، أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، رضي الله عنه وأرضاه.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} ، أي: عذّبوا ومنعوا من الإسلام، {ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
قال البغوي: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل، والوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعبد الله بن أبي أسيد الثقفي، فتنتهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرّهم، ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا.
قال ابن كثير: فأخبر تعالى أنه: {مِن بَعْدِهَا} ، أي: تلك الفعلة، وهي الإجابة إلى الفتنة، {لَغَفُورٌ} لهم، {رَّحِيمٌ} يوم معادهم، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . والله أعلم.
* * *