الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال البغوي: نزلت في النصارى وهم أصناف: اليعقوبية، والملكانية، والنسطورية، والمرقسية. فقالت اليعقوبية: عيسى هو الله، وكذلك الملكانية. وقالت النسطورية: عيسى هو ابن الله. وقالت المرقسية: ثالث ثلاثة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأصل الغلوّ مجاوزة الحد.
وعن الربيع: ثاروا فريقين: فريق غلوا في الدين فكان غلوّهم فيه الشك فيه والرغبة عنه، وفريق منهم قصروا عنه ففسقوا عن أمر ربهم. وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» . رواه أحمد وغيره.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} ، عن قتادة:{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} ، قال: هو قوله: كن،
فكان. وقال شاذ بن يحيى في قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} : ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار
عيسى. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنّة حقّ والنار حقّ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» . متفق عليه.
وقوله تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَاثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ، لأن النبي إنما يجوز لمن يتصور له، ولد وذلك لا يجوز على الرب، كما قال تعالى:{وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} ، ولهذا قال تعالى: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ
…
وَكِيلاً} .
قال ابن جرير: يعني جل ثناؤه يقول: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ} لن يأنف
ولن يستكبر المسيح أن يكون عبدًا لله. وقال قتادة: لن يحتشم المسيح أن يكون عبدًا لله {وَلَا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} .
وقوله تعالى: {وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} .
قال البغوي: قيل: الاستنكاف هو التكبر مع الأنفة، والاستكبار: هو العلو والتكبر من غير أنفة. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} من تضعيف ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأما الذين استنكفوا واستكبروا عن عبادته فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون اللهِ ولياً ولا نصيراً.
عن قتادة: قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} ، أي: بينة من ربكم، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} ، وهو هذا القرآن. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} ، قال ابن جريج في قوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ} ، قال: بالقرآن.
وقال البغوي: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ} امتنعوا به من زيغ الشيطان {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ} ، يعني: الجنة.
…
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} .
قال ابن جرير: يقول: ويوفقهم لإِصابة فضله الذي تفضّل به على أوليائه،
ويسدّدهم لسلوك منهج مَنْ أنعم عليه من أهل طاعته ولاقتفاء آثارهم وإتباع دينهم، وذلك هو الصراط المستقيم، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده، وهو الإِسلام.
في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل، قال: فتوضّأ ثم صبر عليّ فعقلت، فقلت: إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ فأنزل الله آية الفرائض وفي لفظ: فنزلت آية الميراث {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الآية) .
وعن عمر قال: ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري، وقال:«يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء» . رواه أحمد وغيره.
قال ابن كثير: فسّرها أكثر العلماء فيمن يموت وليس له ولد ولا والد.
قال قتادة: وذكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته: ألا إن الآية التي نزلت في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها الله في الولد والوالد، والآية الثانية: أنزلها الله في الزوج والزوجة والإِخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء: أنزلها في الإِخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة
الأنفال: أنزلها في أولي الأرحام، بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة.
وعن السدي: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} ، يقول: مات {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} ذكر ولا أنثى {وَلَهُ أُخْتٌ} .
قال ابن جرير: يعني: وللميت أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ، يقول: فلأخته التي تركها بالصفة التي وصفنا نصف تركته ميراثًا عنه دون سائر عصبته، وما بقي فلعصبته. قال: فأمّا إذا كان للميت ولد أنثى، فهي مع عصبة.
وعن ابن جريج قوله: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} . قال: في شأن المواريث {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
قال ابن جرير: يعني بذلك جل ثناؤه: والله بكل شيء من مصالح عباده في قسمة مواريثهم وغيرها، وجميع الأشياء {عَلِيمٌ} ، يقول: هو بذلك كلَّه ذو علم. انتهى. والله أعلم وبالله التوفيق.
* * *