الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع والثلاثون بعد المائة
{وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلَاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ
آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71)
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا
وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } .
* * *
قال ابن إسحاق: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة، جهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلد، وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد قد واسى بينهم، وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، تقسيطًا بين الناس، وتوسعيًا عليهم، فقدم إخوته فيمن قدم عليه، يلتمسون الميرة من مصر {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} لما أراد الله أن يبلغ يوسف عليه السلام ما أراد.
وقال السدي: أصاب الناس الجوع، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين، فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون. فلما نظر إليهم قال: أخبروني ما أمركم؟ فإني أنكر لسانكم، قالوا: نحن قوم من أرض الشام. قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نمتاز طعامًا. قال: كذبتم أنتم عيون كم أنتم؟ قالوا: عشرة.
قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم. قالوا: إنا إخوة بنو رجل صدّيق، وإنا كنا اثنى عشر، وكان أبونا يحب أخانا، وإنه ذهب معنا للبرية، فهلك منا فيها، وكان أحبّنا إلى أبينا، قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه، قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني
بأخيكم هذا حتى أنظر إليه {فإن فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} . وعن مجاهد: {وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} يوسف يقول: أنا خير من يضيف بمصر.
وقال ابن إسحاق: لما جهزهم يوسف فيمن جهز من الناس، حمل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم:{ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ} أحمل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال:{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} أي: لا أبخس الناس شيئًا {وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي: خير لكم من غيري. {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ} لا تقربوا بلدي، {قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
(64)
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلَاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) } .
قال ابن إسحاق: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان صاحب بادية له شاء، وإبل فقالوا: يا أبانا قدمنا على خير رجل، أنزلنا فأكرم منزلنا، وكَالَ لنا فأوفانا، ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتيه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا
فلا تقربنّي، ولا تدخلنّ بلدي، فقال لهم يعقوب:{هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .
قال البغوي: أي: كيف آمنكم عليه وقد فعلتم بيوسف ما فعلتم؟
…
{فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .
وقال ابن كثير في قوله: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ} ، أي: هل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل؟ تغيبونه علي وتحولون بيني وبينه {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وسيرحم كبري وضعفي ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يردّه عليّ، ويجمع شملي به إنه أرحم الراحمين.
وقوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} ، قال قتادة: ما نبغي من وراء هذا؟ إن بضاعتنا ردّت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل، {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} ، قال مجاهد: إلا أن تهلكوا جميعًا، {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} عهدهم، {قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} ، قال الضحاك: خاف عليهم العين. وعن قتادة: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} أي: مما علمناه. وقال أيضًا: إنه لعامل بما علم، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .
قوله عز وجل: {وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ
السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ
حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (77) } .
قال ابن إسحاق: لما دخلوا على يوسف قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به، فذُكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالاً، وقد أردت أن أكرمكم، ودعا ضافته فقال: أنزل كل رجلين على حده، ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان، فسأضمه إلي فيكون منزله معي، فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتى، وأنزل أخاه معه، فأواه إليه فلما خَلَا به {قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ} أنا يوسف {فَلَا تَبْتَئِسْ} بشيء فعلوه في ما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيء مما أعلمتك.
وعن قتادة: قوله: {فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} ، يقول: لما قضى الله لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم، {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} ، قال الحسن: الصواع والسقاية سواء، هم الإناء الذي يشرب فيه. قال ابن إسحاق: ثم جهّزهم بجهازهم، وأكرمهم، وأعطاهم، وأوفاهم، وحمل لهم بعيرًا بعيرًا، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم، ثم أمر بسقاية الملك وهو الصواع، وزعموا أنها كانت من فضة، فجعلت في رحل أخيه بنيامين، ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر
بهم فأُدركوا فاحتُبسوا، ثم نادى مناد:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قفوا، وانتهى إليهم رسوله، فقال لهم - فيما يذكرون -: ألم يكرمكم ضيافتكم ويوفّكم كيلكم، ويحسن منزلتكم، ويفعل بكم ما لم يفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ أو كما قال لهم، قالوا: بلى وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها، ولا نتّهم عليها غيركم، {قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} .
قال البغوي: فإن قيل: كيف قالوا: لقد علمتم ومن أين علموا ذلك؟ قيل: قالوا: لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض، فإنا منذ قطعنا هذا الطريق لم نرزأ أحدًا شيئًا فاسئلوا عنا من مررنا به: هل ضررنا أحدًا؟ وعن ابن عباس في قوله: {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} ، يقول: كفيل.
وقال معمر: بلغنا في قوله: {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ} ؟ أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم، أنه من سرق أخذ عبدًا فقالوا:
…
{جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} ، قال ابن إسحاق: أي: سلّم به، {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} ، أي: كذلك نصنع بمن سرق منا.
وعن قتادة: قوله: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ} ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تائبًا مما قذفهم به، حتى بقي أخوه، وكان أصغر القوم قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا قالوا: بلى فاستبره، ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم، {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ} ، قال ابن إسحاق: فأخذ برقبته فانصرف به إلى يوسف، يقول الله:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ} قال مجاهد: إلا فعلة كادها الله فاعتلّ بها يوسف.
وعن قتادة: قوله: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ} ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يتعبّد رجلاً بسرقة. وقال معمر: كان في حكم الله: أن من سرق ضوعف عليه الغرم.
وعن السدي: {إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ} ولكن صنعنا له بأنهم قالوا: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} . وقال ابن جريج قوله: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء} يوسف وإخوته أوتوا علمًا فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
وعن ابن عباس: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم.
قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع أخو يوسف ولم يشكّوا أنه سرق، قالوا أسفًا عليهم لِمَا دخل عليهم في أنفسهم تأنيبًا له، {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} فلما سمعها يوسف قال:{أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} سرًّا في نفسه {وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} {وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} . قال مجاهد: أول ما دخل على يوسف من البلاء أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر، وكان من اختبأها ممن وليها كان له سلمًا لا ينازع فيه يصنع فيه ما شاء، وكان يعقوب حين ولد له يوسف، كان قد حضنته عمته، فكان معها وإليها، فلم يحب أحد شيئًا حبها إياه، حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات ووقعت نفس يعقوب عليه، فأتاها فقال: يا أخيّة سلّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة، فقالت: والله ما أنا بتاركته، والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة، قال: فوالله ما أنا بتاركه، قالت: فدعه عندي أيامًا أنظر إليه وأسكن عنه لعل ذلك يسلّيني عنه، أو كما قالت، فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها ومن أصابها، فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت، فكشفوهم فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسلم أصنع فيه ما شئت قال: وأتاها يعقوب، فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك، إن كان فعل ذلك، فهو سلم لك، ما
أستطيع غير ذلك، فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} .
وعن قتادة: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} أما الذي أسرّ في نفسه فقوله: {أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} .
وقال السدي: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وقالوا: يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، حتى أخذت هذا الصواع، فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزالون فيهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية، وَضَعَ هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم، فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها.
قوله عز وجل: {قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ
…
وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } .
قال ابن كثير: لما تعيّن أخذ بنيامين، وتقرّر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترفّقون له ويعطفونه عليهم فقالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً
كبيراً يعنون: وهو يحبه حبًا شديدًا ويتسلّى به عن ولده الذي فقده، {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ} .
قال البغوي: ولم يقل: إلا من سرق تحرّزًا من الكذب، {إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ} إن أخذنا بريئًا بمجرم. قال ابن إسحاق:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ} يئسوا منه ورأو شدّته في أمره {خَلَصُواْ نَجِيّاً} ، أي: خلا بعضهم ببعض ثم قالوا: ماذا ترون؟ فقال: روبيل، كما ذكر لي، وكان كبير القوم: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف.
قال ابن كثير: قال لهم: {أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ} لتردّونه إليه؟ فقد رأيتم كيف تعذّر عليكم ذلك، مع ما تقدّم لكم من إضاعة يوسف عنه {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} ، أي: لن أفارق هذه البلدة {حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي} في الرجوع إليه راضيًا عني، {أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا} ، أي: قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} .
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} ، قال ابن عباس: يعنون مصر،
…
{وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} ، قال ابن إسحاق: أي: فقد علموا ما علمنا، وشهدوا ما شهدنا إن كنت لا تصدقنا، إنَّا لصادقون.
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ، قال ابن إسحاق: اتّهمهم، وظنّ أن ذلك كفعلتهم بيوسف {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أعرض عنهم وتتامّ حزنه،
…
قال البغوي: والأسف: أشد الحزن. {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} ، يعني: عمي بصره، {فَهُوَ كَظِيمٌ} ، قال الضحاك: كئيب حزين، وقال قتادة: ساكت لا يشكوا أمره إلى مخلوق. قال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عامًا، لا تجفّ عينا يعقوب، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب.
وعن قتادة: قوله: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، قال: لا تزال ذكر يوسف {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} هرمًا، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} ، قال: أو تموت. قال ابن إسحاق: لما ذكّر يعقوب بيوسف قالوا - يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت جهلاً وظلمًا -: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} ، أي: فاسدًا لا عقل لك، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} ، قال يعقوب عن علم بالله:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم، لم أَشْكُ ذلك إليكم {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .
قال البغوي: والبث أشد الحزن، وسميّ بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه أي يظهره.
وعن ابن عباس في قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ، يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني ساجدٌ له. وقال قتادة: ذكر لنا أن يعقوب لم ينزل به بلاء قطّ إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه. قال ابن إسحاق: ثم إن يعقوب قال لبنيه وهو على حسن ظنه بربه، مع الذي هو فيه من الحزن {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ} إلى البلاد التي منها جئتم، {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ} ، أي: من فرجه، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} . والله أعلم.
* * *