الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس العاشر بعد المائة
…
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) } .
* * *
قال ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} . قال: قوله: {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} مفتاح كلام {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} فجعل الله سهم الله والرسول واحدًا) .
وعن الأعمش عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان عليّ رضي الله عنه يقول فيه؟ قال: كان عليّ أشدهم فيه.
وعن حكيم بن سعد عن عليّ رضي الله عنه قال: يعطي كل إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم الله ورسوله.
وعن ابن عباس: قوله: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} ، يعني: بالفرقان يوم بدر، فرّق الله فيه بين الحق والباطل. وعن قتادة: قوله: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} وهما شفيرا الوادي، {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} ، يعني: أبا سفيان انحدر بالعير حتى قدم بها مكة.
وقوله تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} . قال كعب بن مالك: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
وقوله تعالى: {وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} . قال ابن إسحاق: أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته. {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} لما رأى من الآيات والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، {وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وعن مجاهد: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} . قال: أراهم الله إياه في منامه قليلاً، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم، {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ} . قال ابن عباس يقول: سلّم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم.
وعن ابن جريج: قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} . قال ابن مسعود: قلّلوا في أعيننا حتى قلت لرجل: تراهم يكونون مائة؟
وقال السدي: قال ناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا، فقال أبو جهل: الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم، وقال: يا قوم
لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خذوهم أخذًا فاربطوهم بالحبال، يقوله من القدرة في نفسه.
وعن ابن إسحاق: {لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} ، أي: ليؤلّف بينهم على الحرب، للنقمة، ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته، {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} .
قال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم
أحد. وقال محمد بن كعب القرظي: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله:{وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} .
وعن ابن عباس قال: خرج إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه، رأيته
في صورة رجل من بني مدلج، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم. فقال الشيطان للمشركين {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} فلما اصطفّ الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها وجوه المشركين فولّوا مدبرين، وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده فولّى مدبرًا وشيعته، فقال
…
الرجل: يا سراقة تزعم أنك لنا جار، قال:{إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، وذلك حين رأى الملائكة.
وعن الشعبي في هذه الآية: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ} . قال: كان ناس من أهل مكة تكلّموا بالإِسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلّة المسلمين قالوا:{غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ} .
وقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، أي: من اعتصم بالله نصره.
قوله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ
وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) } .
عن مجاهد: قوله: {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ} . قال: يوم بدر. وعن الحسن قال: قال رجل: يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك فما ذاك؟ قال: «ضرب الملائكة» . رواه ابن جرير.
وقوله تعالى: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} ، أي: ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد. وعن مجاهد: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كفعل آل فرعون، كسنن آل فرعون.
وعن السدي: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} ، يقول: نعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم أنعم به على قريش وكفروا، فنقله إلى الأنصار.
وقال ابن كثير: (يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغيّر نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه.
وقوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} ، أي: كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته، أهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم، وما ظلمهم الله في ذلك، بل كانوا هم الظالمين) . انتهى ملخصًا. والله أعلم.
* * *