الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جرير: يقول الله تعالى ذكره: إن سيّدكم، ومصلح أموركم أيها الناس هو: المعبود الذي له العبادة من كل شيء، الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة. انتهى.
وقال ابن إسحاق: كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى النور والظلمة، ثم ميّز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلمًا، وجعل النور نهارًا مضيئًا مبصرًا، ثم سمك السماوات السبع من دخان - يقال والله أعلم: من دخان الماء - حتى استقللن ولم يحبكهن، وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها وأخرج ضحاها، فجرى فيها الليل والنهار، وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم، ثم دحى الأرض وأرساها بالجبال، وقدّر فيها الأقوات، وبث فيها ما أراد من الخلق، ففرغ من الأرض وما قدّر فيها من أقواتها في أربعة أيام، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} كما قال. فحبكهن وجعل في السماء الدنيا: شمسها، وقمرها، ونجومها، {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} فأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السماوات والأرض في ستة أيام،
ثم استوى في اليوم السابع فوق سماواته، ثم قال للسماوات وللأرض:{اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . انتهى.
وقال ابن جرير في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وأولى المعاني بقول الله جلّ ثناءه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} ، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سماوات.
وقال البغوي في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قال الكلبي، ومقاتل: استقر. وقال أبو عبيدة: صعد؛ وأوّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء؛ فأما أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف، يجب على الرجل الإِيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل. وسأل رجل مالك بن أنس
عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليًا وعلاه الرخصاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به
واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالاً. ثم أمر به فأخرج. وروي عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم من علماء السنة، في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهات: أَمِرِّوها كما جاءت بلا كيف. انتهى.
وقال ابن كثير: (وأما قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في
هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث ابن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو: إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشّبهين منفيّ عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبّه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى) .
وقال في جامع البيان: أجمع السلف على أن استواءه على العرش صفة له بلا كيف، نؤمن به، ونكل العلم إلى الله تعالى.
وقال البخاري: باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، قال أبو العالية:{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} ارتفع، {فَسَوَّاهُنَّ} خلقهن. وقال مجاهد:
{اسْتَوَى} علا على العرش، ثم ذكر حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل
…
شيء» . الحديث.
وقال البيهقي: (اتفقت أقاويل أهل التفسير على أن العرش هو: السرير وأنه جسم خلقه الله، وأمر ملائكته بحمله) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلى داود بن علي قال: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي، يعني: محمد بن زياد اللغوي، فقال له رجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: هو على العرش كما أخبر، قال: يا أبا عبد الله إنما معناه: استولى، فقال: اسكت، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: (وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله وأجمع عليه
سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، علا على خلقه وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، وليس معنى قوله:{وَهُوَ مَعَكُمْ} أنه: بالخلق مختلط، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على
خلقه، مهيمن عليهم مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته، وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا، حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تأويل، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظنّ أن ظاهر قوله:{فِي السَّمَاء} أن السماء تقلّه أو تظلّه، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإِيمان، فإن الله قد وسع كرسيّه السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) . انتهى.
وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
شهدت بأن وعد الله حق
…
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
…
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله الملائكة شداد
…
ملائكة الإِله مسوّمينا
وقال عبد الله بن المبارك: (نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته، على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية) .
وقال أبو عمرو الطلمنكي: (أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته) .
وقال أيضًا: (أجمع أهل السنة على أن الله استوى على عرشه، على الحقيقة لا على المجاز) . انتهى.
وقال ابن القيّم في (الجيوش الإسلامية) - لمّا ذكر إثبات استواء الرب على العرش بالآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم -:(والاستواء معلوم في اللغة، وهو: العلوّ، والارتفاع، والتمكن. ومن الحجّة أيضًا في أن الله سبحانه وتعالى على العرش فوق السماوات السبع، أن الموجودين أجمعين إذا كربهم أمر رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون الله ربهم. وقوله صلى الله عليه وسلم للأَمَة التي أراد مولاها أن يعتقها: «أين الله» ؟ فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: «من أنا» ؟ قالت: أنت رسول الله. قال: «اعتقها فإنها مؤمنة» . فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برفع رأسها إلى السماء) . انتهى.
وقال الطحاوي في (العقيدة السلفية) : (والعرش والكرسي حق، وهو سبحانه مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإِحاطة خلقه) . انتهى وبالله التوفيق. وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وقوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} ، أي: سريعًا، كما قاله ابن عباس.
وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
قال ابن كثير: أي: الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته، ولهذا قال منبهًا:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ، أي: له الملك والتصرف، {تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
عن ابن عباس: قوله: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} ، قال: السر أنه لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غيره. وقال ابن جريج: يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويأمر بالتضرع والاستكانة. {وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} ، أي: لا تفسدوا فيها بالشرك والمعاصي، {بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} ، أي: يبعث الرسل وبيان الشريعة.
…
{وَادْعُوهُ خَوْفاً} من عقابه، {وَطَمَعاً} في ثوابه، {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} .
قال ابن كثير: أي: إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية، وقال:{قَرِيبٌ} ولم يقل: قريبة، لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب، أو لأنها مضافة إلى الله، فلهذا قال: {قَرِيبٌ
مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} . وقال مطر الورّاق: استنجزوا موعود الله بطاعة الله، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين. رواه ابن أبي حاتم.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) } .
لما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض، وأنه المدبر لخلقه، وأمر بدعائه، نبّه على أنه الرازق، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ، أي: قدّام المطر، {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . قال مجاهد: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تنشقّ عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح فتعود كل روح إلى جسدها، فذلك يحيي الموتى بالمطر كإحيائه الأرض. وعن قتادة:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِداً} . قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن. وقال ابن عباس: المؤمن طيب وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث. والله أعلم.