الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
…
قال ابن كثير: {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وما عظموا الله حق تعظيمه، {إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} . قال ابن عباس: نزلت في قريش، {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} ، قال مجاهد: هم
…
اليهود.
وقال البغوي: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو بالياء.
وقال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له: مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين» ؟ وكان حبرًا سمينًا، فغضب وقال: والله ما أنزل على بشر من شيء. وقال السدي: نزلت في فنحاص بن عازوارء وهو
قائل هذه المقالة. وفي القصة: أن مالك بن الصيف لما سمعت منه اليهود تلك المقالة عتبوا عليه وقالوا: أليس أن الله
أنزل التوراة على موسى فلم قلت: {مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} ؟ فقال مالك بن الصيف: أغضبني محمد فقلت ذلك، فقالوا له: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق؟ ! فنزعوه من الحبرية وجعلوا مكانه كعب ابن الأشرف.
وقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} ، قال مجاهد: وعلمتم معشر العرب ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم.
وقوله تعالى: {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} ، أي: قل: الله أنزله، ثم دعهم في غيّهم، وجهلهم يلعبون، فسوف يعلمون عاقبة ذلك. وعن ابن عباس: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس قل الله أنزله.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن عباس هو المتعيّن في تفسير هذه الكلمة، لا ما قاله بعض المتأخرين من أن المعنى:{قُلِ اللهُ} ، أي: لا يكون خطابك لهم إلا هذه الكلمة، كلمة الله؛ وهذا الذي قال هذا القائل يكون أمرًا بكلمة مفردة من غير تركيب، والإتيان بكلمة مفردة لا يفيد في لغة العرب فائدة يحسن السكوت عليها.
وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} ، قال ابن عباس: أم القرى مكة، ومن حولها الأرض كلها. {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: القرآن،
{وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي: يداومون عليها، ويقيمونها في أوقاتها.
قال ابن كثير: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ، أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فجعل له شركاء أو ولدًا، أو ادّعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يرسله، ولهذا قال تعالى:{أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} . قال عكرمة وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب.
{وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللهُ} ، أي: ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي، بما يفتريه من القول، كقوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} الآية.
وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} ، أي: سكراته {وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} ، قال ابن عباس: والبسط الضرب. وقال السدي: {وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} بالعذاب.
وقال ابن جرير: يقولون لهم: {أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ} وهو عذاب جهنم {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} .
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ} ، قال السدي:{وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ} من المال والخدم {وَرَاء ظُهُورِكُمْ} في الدنيا. وقال الحسن البصري: (يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَجٌ فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، فيقول: يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان، فيقول له: يا ابن آدم أين ما قدّمت لنفسك؟ فلا يراه قدّم شيئًا، وتلا هذه الآية {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ} ) الآية.
قال في (القاموس) : (البَذَجُ محرّكة: ولد الضأن) .
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» .
وقوله تعالى: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} . قال السدي: فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدون الآلهة لأنهم شفعاء لهم يشفعون لهم عند الله، وأن هذه الآلهة شركاء لله.
وقوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} عن مجاهد: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ، قال: تواصلهم في الدنيا، {وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ، قال
ابن عباس: يعني: الأرحام والمنازل. وعن السدي: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ، يقول: تقطّع ما بينكم.
وقال ابن كثير: وقوله: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد، والأصنام، والأوثان، ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم، إن كان ثَمَّ معاد، فإذا كان يوم القيامة تقطّعت بهم الأسباب، وانزاح الضلال، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون، ويناديهم الرب، جل جلاله، على رءووس الخلائق:{أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ؟ {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} ؟ ولهذا قال ها هنا: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} ، أي: في العبادة لهم فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم، ثم قال تعالى:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} . والله أعلم.
* * *