الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والأربعون بعد المائة
[سورة النحل]
مكية، وآياتها 128 آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً
طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ
خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) } .
* * *
قال ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوّها، معبّرًا بصيغة الماضي، الدالّ على التحقيق والوقوع لا محالة، كقوله:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} .
وقوله تعالى: {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} كقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ،
…
{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} .
وعن ابن عباس: قوله: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ} ، يقول: بالوحي. وقال قتادة: إنما بعث الله المرسلين أن يوحّد الله وحده ويطاع أمره ويجتنب سخطه.
وقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} نزه نفسه عن مشاركة غيره.
وقوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} يجادل بالباطل.
عن ابن عباس: قوله: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، يعني بالدفء: الثياب. والمنافع: ما يتنفعون به من الأطعمة والأشربة. وقال قتادة يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبُلْغَة، {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظامًا ضروعها، طوالاً أسنمتها، {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} إذا سرحت لرعيها. وعن عكرمة: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ
تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} ، قال: لو تُكَلَّفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد.
وقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} لكم أيضًا {، لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضًا {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ، يقول: وجعلها لكم زينة تتزيّنون بها، مع المنافع التي فيها لكم للركوب وغير ذلك انتهى.
وفي الصحيحين عن جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل) .
وقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .
قال في جامع البيان: أي: ويخلق لكم ما لم يحط به عملكم.
وعن ابن عباس: قوله: {وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} ، يقول: على الله البيان أن يبيّن الهدى والضلالة {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} يعني: الأهواء المختلفة.
وقال ابن زيد في قوله: {وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ، قال: لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبيل الذي هو الحق، وقرأ:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} .
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} ، قال الضحاك: ترعون أنعامكم.
وعن قتادة: قوله: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ} ، يقول: وما خلق لكم مختلفًا ألوانه من الدواب، ومن الشجر، والثمار، نِعَمُ من الله متظاهرة فاشكروا الله. قال في القاموس: ذرأ خلق، والشيء أكثره ومنه الذرية.
وعن قتادة في قوله: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} ، قال: منهما جميعًا {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} قال: هذا اللؤلؤ.
وعن عكرمة في قوله: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} ، قال: هي السفينة تقوى بالماء هكذا يعني: تشقّه. وعن مجاهد: {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} قال: تجارة البر والبحر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} قال مجاهد: أن تكفأ بكم. وقال الحسن: لما خلقت الأرض كادت تميد فقالوا: ما هذه بمقرّة على ظهرها أحد، فأصبحوا وقد خلقت الجبال، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال.
وعن ابن عباس: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} ، يعني: بالعلامات معالم الطرق بالنهار {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} بالليل.
وعن قتادة: قوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} والله هو الخالق الرزاق، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئًا ولا تملك لأهلها ضرًا ولا نفعًا، قال الله:{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} .
وقال البغوي: {أَفَمَن يَخْلُقُ} يعني الله تعالى: {كَمَن لَاّ يَخْلُقُ} ، يعني: الأصنام {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} . {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ} لتقصيركم في شكر نعمه، {رَّحِيمٌ} بكم حيث وسّع عليكم النعم ولم يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي.
قوله عز وجل: {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم
مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي
أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) } .
عن قتادة: قوله: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، {أَمْواتٌ} لا أرواح، فيها ولا تملك لأهلها ضرًا ولا نفعًا.
وقوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} ، قال قتادة: لهذا الحديث {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عنه.
وقوله تعالى: {لَا جَرَمَ} ، أي: حقًا، {أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} .
قال في جامع البيان: أي: حق أن الله تعالى يعلم سرّهم وعلانيتهم حقًا.
وعن قتادة: قوله: {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} ، قال: ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإذا مرّ بهم أحد من المؤمنين يريد نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا لهم:{أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} يريدون أحاديث الأولين وباطلهم.
وعن مجاهد: قوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفّف
ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئًا. وعن ابن عباس: قوله: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ} ، قال: هو نمرود حين بنى الصرح. وقال قتادة في قوله: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ} ، أي: والله لأتاهم أمر الله من أصلها {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} والسقف أعالي البيوت؛ فانتكست بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمّرهم، {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} .
وقوله: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} ، أي: تخالفون المؤمنين، ما لهم لا يحضرونكم فيدفعون عنكم العذاب؟ {قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} ماتوا على الكفر، {فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ} ، أي: استسلموا وقالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ} فقيل لهم: {بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
قال البغوي: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} ثم ابتدأ فقال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} كرامة من الله، {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ
الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ
…
طَيِّبِينَ} .
وعن مجاهد في قوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ} .
قال: أحياء وأمواتًا وقدّر الله ذلك لهم. وقال محمد بن كعب القرظي: إذا احتضرت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال: السلام عليك وليّ الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم نزع بهذه الآية:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
عن مجاهد: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} ، يقول: عند الموت حين تتوفاهم، {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يوم القيامة.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ، أي: كفروا كما كفروا {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ} بتعذيبه إياهم، {وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ} . {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} عقوبات كفرهم، وأعمالهم الخبيثة، {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم، {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . والله أعلم.
* * *