الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والثلاثون بعد المائة
[سورة يوسف]
مكية، وهي مائة وإحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي
لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) } .
* * *
عن مجاهد في قول الله تعالى: {آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} قال: بيّن حلاله وحرامه. وقال الزجاج: مبيّن الحق من الباطل والحلال من الحرام.
وقال ابن كثير: أي: الواضح الجليّ الذي يفصح عن الأشياء المبهمة ويفسّرها ويبيّنها. وعن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزلت:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} .
وعن قتادة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} من الكتب الماضية، وأمور الله السالفة في الأمم، {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} .
عن ابن عباس في قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا. وقال قتادة:
الكواكب إخوته والشمس والقمر أبواه. وقال السدي: نزل يعقوب الشام فكان همّه يوسف وأخاه فحسده إخوته لما رأوا حبّ أبيه له، ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدين، فحدّث أباه بها فقال:{يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .
وعن قتادة: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} فاجتباه واصطفاه وعلّمه من عبر الأحاديث. وقال مجاهد: عبارة الرؤيا. قال ابن زيد: وكان يوسف أعبر الناس.
قوله عز وجل: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاؤُواْ
أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) } .
قال ابن إسحاق: إنما قصّ الله تبارك وتعالى على محمد خبر يوسف، وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه وحسده، حين أكرمه الله عز وجل بنبوّته ليتأسّى به.
وعن السدي: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} ، قال: يعنون بنيامين، قال: وكانوا عشرة، {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ، قال: في ضلال من أمرنا. وقال ابن زيد: العصبة الجماعة.
وعن السدي: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} ، قال: تتوبون مما صنعتم. وقال مقاتل يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
وعن قتادة: {قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} ذكر لنا أنه روبيل، كان أكبر القوم وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله، {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} ، يقول: في بعض نواحيها. وقال ابن عباس: والجب بئر بالشام. {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} ، قال: التقطه ناس من الأعراب.
وعن قتادة: قوله: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} ، قال: ينشط يلهو.
قال ابن كثير: فيقال: إن يعقوب عليه السلام لما بعثه معهم ضمّه إليه وقبّله ودعا له. فذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول والفعل، ثم جاؤوا به إلى ذلك الجبّ الذي اتفقوا على رميه فيه، فربطوه بحبل ودلّوه فيه، فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه، وإذا تشبّث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه يقال لها: الراعوفة فقام فوقها. قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . قال مجاهد: أوحي إلى يوسف وهو في الجبّ أن
سينبئهم بما صنعوا وهم لا يشعرون بذلك الوحي. وقال ابن عباس: لما دخل إخوة يوسف {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، قال: جيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنّ فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له: يوسف يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجبّ، قال: ثم نقره فطنّ فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدم كذب قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} قال: ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليه السلام.
{وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ} .
قال البغوي: قال أهل المعاني: جاؤوا في ظلمة العشاء ليكون أجرأ على الاعتذار بالكذب. وروي أن يعقوب عليه السلام سمع صياحهم وعويلهم فخرج وقال: ما لكم يا بنيُّ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا. قال: فما أصابكم؟ وأين يوسف؟ {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} ، أي: وما أنت بمصدّق لنا لسوء ظنّك بنا. وعن ابن عباس: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} ، قال: لو أكله السبع لخرق القميص. وعنه الحسن قال: لما جاء أخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم جعل يقلّبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا، أكل ابني وأبقى على قميصه.
وعن قتادة قال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} ، يقول: بل زيّنت لكم أنفسكم أمرًا، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ، قال مجاهد: ليس فيه جزع،
…
{وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، قال قتادة: أي: على ما تكذبون.
قوله عز وجل: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى
هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً
وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) } .
عن قتادة: {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} ، يقال: أرسلوا رسولهم فلما {أَدْلَى دَلْوَهُ} تشبّث بها الغلام، {قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} تباشروا به حين أخرجوه. وعن مجاهد:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} ، قال صاحب الدلو ومن معه، قالوا لأصحابهم: إنما استبضعناه، خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا بثمنه، وتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثق منه لا يأبق، حتى وقفوه بمصر.
وقوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قال ابن عباس: باعه إخوته بثمن بخس. قال الضحاك: البخس الحرام. وقال الشعبي: قليل. وقال ابن عباس: عشرون درهمًا. وعن الضحاك: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قال: إخوته زهدوا فيه فلم يعلموا منزلته من الله ونبوته ومكانه.
وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} ، قال قتادة: وهي امرأة العزيز. وقال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} ، وأبو بكر حين تفرّس في عمر، والتي قالت:{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} .
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} .
وقال ابن كثير: يقول تعالى: كما أنقذنا يوسف من إخوته كذلك مكنَّا
ليوسف في الأرض يعني: بلاد مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} قال مجاهد، والسدي: هو تعبير الرؤيا، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} ، أي: إذا أراد شيئًا فلا يردّ ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه. قال سعيد بن جبير في قوله:{وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} ، أي: فعّال لما يشاء.
وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، يقول: لا يدرون حكمته في خلقه، وتلطّفه وفعله لما يريد. والله أعلم.
* * *