الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس المائة
…
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى
قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَاّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا
بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) } .
* * *
قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
قال ابن كثير: هذه دعوة الرسل كلهم. {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
…
رَبِّكُمْ} ، أي: قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به، ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا الكيل والميزان، ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي: لا يخونوا الناس في أموالهم، ويأخذوها على وجه البخس وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسًا. انتهى.
وعن ابن عباس: قوله: {وَلَا تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ} ، قال: كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتى عليهم، أن شعيبًا عليه السلام كذب فلا يفتنكم عن دينكم. وعن السدي: {وَلَا تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ
تُوعِدُونَ} ، قال: العشارون. وعن مجاهد:
{وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ} ، قال: أهلها {وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} تلتمسون لها الزيغ.
وقوله تعالى: {حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ} .
قال ابن كثير: أي: يفصل، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فإنه سيجعل العاقبة للمتقين، والدمار على الكافرين.
قوله: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} . قال ابن كثير: (يقول: أَوَأنتم فاعلون ذلك، ولو كنا كارهين ما تدعوننا إليه؟ فإنا إن رجعنا إلى ملّتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه، فقد أعظمنا الفرية على الله) . انتهى.
وقال السدي: يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يحب الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئًا فإنه وسع كل شيء علمًا.
وعن قتادة: {افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} : اقض بيننا وبين قومنا بالحق. وعن ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: انطلق أفاتحك.
قوله عز وجل: {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ
إِذاً لَّخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) } .
عن قتادة: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} كأن لم يعيشوا، كأن لم ينعموا. وعن ابن عباس: قوله: {فَكَيْفَ آسَى} ، يعني: فكيف أحزن. قال ابن إسحاق: أصاب شعيبًا على قومه حزن لما يرى بهم من نقمة الله، ثم قال يعزّي نفسه فيما ذكر الله عنه، {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} .
عن ابن عباس: قوله: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} ، يقول: مكان الشدة الرخاء. وعن مجاهد في قول الله: {مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} والحسنة: الرخاء والمال، والولد. {حَتَّى عَفَواْ} ، قال: كثرت أموالهم وأولادهم.
عن ابن عباس: قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} ، يقول: أو لم يتبيّن لهم. وقال ابن زيد: أو لم نبيّن لهم، {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} ، قال: والهدى: البيان الذي بعث هاديًا مبيّنًا حتى يعرفوا، لولا البيان لم يعرفوا.
قال الزجاج: قوله: {وَنَطْبَعُ} : منقطع عما قبله، لأن قوله:
…
{أَصَبْنَاهُم} ماضِ، {وَنَطْبَعُ} مستقبل.
عن أُبَيّ بن كعب: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} ، قال: كان في عمله يوم أقرّوا له بالميثاق.
وقال ابن كثير: الباء سببية، أي: فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق، أول ما ورد عليهم؛ حكاه ابن عطية رحمه الله، وهو متجه حسن، كقوله:{وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ولهذا قال هنا: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم} ، أي: لأكثر الأمم الماضية من عهد {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} . والله أعلم.
* * *