الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس التسعون
{إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) } .
* * *
قال السدي: أما: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} ففالق الحب عن السنبلة، وفالق النواة من النخلة. وقال مجاهد: الشقّان اللذان فيهما. وقال: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} إضاءة الفجر. وعن ابن عباس في قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} ، يعني: عدد الأيام، والشهور، والسنين {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} .
قال في (جامع البيان) : الفقه: تدقيق النظر، فهو أليق بالاستدلال بالأنفس لدقته، بخلاف الاستدلال بالآفاق ففيه ظهور، ولهذا قال في الأول:{لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
وعن سعيد بن جبير في قوله: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} . قال: مستودعون ما كانوا في أصلاب الرجال، فإذا قروا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض وفي بطنها فقد استقرّوا.
عن السدي قوله: {مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً} فهذا السنبل. وعن قتادة: قوله: {مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} ، قال: عذوق متهدّلة.
{وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ، أي: مشتبهًا وَدَقُهُما، مختلفًا ثمرهما.
وقيل: مشتبه في النظر، مختلف في الطعم.
{انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} . قال ابن عباس: نضجه، {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
قوله عز وجل: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) } .
قال ابن عباس: وجعلوا لِلّه شرَكاء الجن والله خلقهم وخرقوا له بنين وبنات، يعني: أنهم تخرّصوا. وقال السدي: يقول: قطعوا له بنين وبنات؛ قالت العرب: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود والنصارى: المسيح وعزير أبناء الله. وقال مجاهد: خرقوا: كذبوا.
وقال ابن زيد في قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} . قال: هو الذي ابتدع خلقهما، جل جلاله، فخلقهما ولم يكونا شيئًا قبله. {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} ، والولد إنما يكون من الذكر والأنثى، ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة فيكون له ولد، وذلك أنه هو الذي خلق كل شيء، يقول: فإذا كان لا شيء إلا الله خلقه، فأنى يكون لله ولد ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد؟ ؟
{ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} يدبّرهم ويرزقهم.
{لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . قال ابن عباس: يقول: لا يحيط بصر أحد بالملك. وقال قتادة: هو أعظم من أن تدركه الأبصار. وعن عطية العوفي في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم؛ فذلك قوله:{لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . قال أبو العالية: لطيف باستخراجها، خبير بمكانها.
قوله عز وجل: {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ
…
زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (108) } .
قال ابن زيد: البصائر: الهدى، بصائر في قلوبهم لدينهم، {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} ، لهؤلاء العادلين بربهم، كما صرفتها في هذه السورة، ولئلا يقولوا:{دَرَسْتَ} ، أي: قرأت الكتب، {وَلِنُبَيِّنَهُ} ، أي: القرآن {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ، وقيل: اللام لام العاقبة، أي: عاقبة أمرهم أن يقولوا درست. وعن قتادة قال: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفار فيسبّ الكفار الله، فأنزل الله {وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ
عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، أي: اعتداءً وجهلاً؛ {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .
قال مجاهد: سألت قريش محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية، واستحلفهم
…
{لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا} ، {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} وما يدريكم {أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لَا يُؤْمِنُونَ} ؟ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} . قال: نحول بينهم وبين الإيمان، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنوا، كما حُلْنا بينهم وبين الإِيمان أول مرة. وقال ابن عباس: لما جحد المشركون ما أنزل الله، لم تثبت قلوبهم على شيء، {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} . قال عطاء: نخذلهم وندعهم في ضلالتهم يتمادون.
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد إيئس من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، القائلين لك: لئن جئتنا بآية لنؤمنن لك، فإننا لو نزلنا إليهم الملائكة حتى يروها عيانًا، وكلمهم الموتى بإحيائنا إيّاهم حجَّة لك، ودلالة على نبوتك، وأخبروهم أنك محقّ فيما تقول، وأن ما جئتهم به حقّ من عند الله، وحشرنا عليهم كل شيء، فجعلناهم لك قُبُلاً، ما آمنوا ولا صدّقوك ولا اتّبعوك، إلا أن يشاء الله ذلك لمن شاء منهم، ولكن أكثرهم يجهلون.
وعن ابن عباس: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} . قال: معاينة، يقول: لو استقبلهم ذلك كله لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله. والله أعلم.
* * *