الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والتسعون
[سورة الأعراف]
مكية، وهي مائتان وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{آلمص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلَاّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن
تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) } .
* * *
قال أبو العالية: {حَرَجٌ} ، أي: ضيق، معناه: لا يضيق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به. {اتَّبِعُواْ} ، أي: وقل لهم: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} تطيعونهم في معصية الله، {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} .
قال الزجاج في قوله تعالى: {بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} أو: لتصريف العذاب، أي: مرة ليلاً ومرة نهارًا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلّغوا.
وعن السدي في قوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} قال: توزن الأعمال، وعن حذيفة قال: (صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِنْ
بينهم! فَرُدّ مِنْ بعضٍ على بعض، قال: وليس ثَمّ ذهب ولا فضّة. فإن كان للظالم حسنات أخذ من حسناته فردّ على المظلوم وإن لم يكن له حسنات حمل عليه من سيئات صاحبه، فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال، فذلك قوله:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} .
عن قتادة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ، قال: خلق الله آدم من طين {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق، علقة ثم
مضغة ثم عظامًا، ثم كسى العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. وعن مجاهد في قول الله:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} ، قال: آدم، {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ، قال: في ظهر آدم. وقال ابن جرير: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم، ثم صوّرناه {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} .
قال ابن كثير: وذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من طين
لازب، وصوّره بشرًا سويًا، ونفخ فيه من روحه، أمر الملائكة بالسجود له تعظيمًا لشأن الله تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا، إلا إبليس لم يكن من الساجدين.
وقوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ، قال ابن عباس: أول من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله مع إبليس.
وقوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} ، أي: المؤخرّين عن الموت إلى يوم الوقت المعلوم، حين يموت جميع الناس، وهي: النفخة الأولى {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} قال مجاهد: الحق.
وعن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ، يقول: أشكّكهم في آخرتهم، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أرغّبهم في دنياهم، {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} أشبّه
عليهم أمر دينهم، {وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} أشهّى لهم المعاصي. وقال قتادة: أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن خلفهم من أمر الدنيا فزيّنها لهم ودعاهم إليها، وعن أيمانهم من قِبَل حسناتهم بطّأهم عنها، وعن شمائلهم زيّن لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينتك وبين رحمة الله.
وعن ابن عباس: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً} ، يقول: صغيرًا منفيًّا. وقال السدي: أما: {مَذْؤُوماً} : فمنفيًّا، وأما:{مَّدْحُوراً} : فمطرودًا. وعن ابن عباس: {مَذْؤُوماً} : ممقوتًا. انتهى.
والمذؤم: هو المذموم وهو المعيب، والمذؤم بالهمز أبلغ في العيب. وعن
قتادة: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً} لعينًا شقيًا، {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} .
قال وهب بن منبه: كان عليهما نور لا ترى سوآتهما. وقال قتادة: فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يُخدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما.
عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان آدم كأنه نخلة سحوق، كثير شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها، فانطلق فارًّا فتعرّضت له شجرة فحبسته بشعره فقال لها: أرسليني، فقالت: لست بمرسلتك، فناداه ربه: يا آدم أمنّي تفرّ؟ قال: لا، ولكنّي أستحييك» . رواه ابن جرير.
وعن ابن عباس: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} ، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة يجعلان على سوآتهما، وقال: لما أكل آدم من الشجرة قيل
له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني. قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهًا ولا تضع إلا كرهًا، فرنّت حواء عند ذلك فقيل لها: الرنة عليك وعلى ولدك.
وعن الضحاك في قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه. وعن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب أرأيت إن تبت واستغفرتك. قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النظرة فأعطي كل واحد منهما ما سأل.
عن السدي: {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ، قال: اهبطوا إلى الأرض: آدم وحواء، إبليس والحية.
قال ابن كثير: والعمدة في العداوة: آدم، وإبليس. ولهذا قال تعالى في سورة طه {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} وحواء تبع لآدم، والحية إن كان ذكرها صحيحًا فهي تبع لإِبليس.
وعن أبي العالية في قوله: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} ، قال: هو قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} . وقال ابن عباس: القبور.
…
{وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} إلى يوم القيامة، وإلى انقطاع الدنيا. والله المستعان.
* * *