الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن ابن عباس: قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} وذلك يوم بدر، والمسلمون يومئذٍ قليل، فلما كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى، {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استبعدوهم، وإن شاءوا فادوهم. وعن مجاهد قال: الإثخان: القتل.
وعن ابن عباس قال: لما أسروا الأسارى، يعني: يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين أبو بكر وعمرو وعليّ» ؟ قال: «ما ترون في الأسارى» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإِسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ترى يا ابن الخطاب» ؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو، ما رأى الذي رأى أبو بكر يا نبيّ الله، ولكن أرى أن تمكنّنا منهم فتمكّن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنّي من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم
يهو ما قلت، قال عمر: فلما كان من الغد جئت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أبكي للذي عرض عليّ أصحابكم في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة» ، شجرة قريبة من رسول الله، فأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {حَلَالاً طَيِّباً} وأحلّ الله الغنيمة لهم.
وعن الحسن في قوله: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ} الآية. قال: إن الله كان مطعم هذه الأمة الغنيمة، وأنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به، قال: فعاب الله ذلك عليهم ثم أحلّه الله.
عن ابن عباس: قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى} إلى قوله: {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني: بذلك من أسر يوم بدر يقول: إن علمتم بطاعتي ونصحتم لرسولي آتيتكم خيرًا مما أخذ منكم وغفرت لكم، قال: وكان العباس أسر يوم بدر فافتدى نفسه بأربعين أوقية، من ذهب،
فقال العباس حين نزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خصلتين ما أحبّ أنّ لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فآتاني أربعين عبدًا، وأنا أرجوا المغفرة التي وعدنا الله.
وعن السدي: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} ، يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده فأمكن منهم ببدر.
عن ابن عباس: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} يعني: في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام، قال الله:{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ} ، يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعلمون بذلك حتى أنزل الله {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} في الميراث، فنسخت التي قبلها، وكان الميراث لذوي الأرحام. {وَإِنِ
اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} يعني: إن استنصركم الأعراب المسلمون أيها المهاجرون والأنصار على عدوهم، {فَعَلَيْكُمُ} أن تنصروهم، {إِلَاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} وعن أبي مالك قال: قال رجل: نورّث أرحامنا من المشركين، فنزلت:{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} الآية.
وعن ابن عباس: قوله: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ، يعني: في الميراث {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} ، يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به {تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} ؛ وقال ابن جريج: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين، {تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} .
وقال البغوي: فالفتنة في الأرض قوة الكفر، والفساد الكبير ضعف الإِسلام.
وقال ابن كثير: أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت فتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل.
المهاجرون على طبقتين: أهل الهجرة الأولى، وهم: السابقون الأولون الذين هاجروا قبل صلح الحديبية، والطبقة الثانية: الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل الفتح، كما قال تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} .
وقوله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . قال قتادة: كان لا يرث الأعرابيّ المهاجر حتى أنزل الله: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} واستدل بعموم الآية على توريث الخال ونحوه من ذوي الأرحام.
وقال ابن كثير: (الآية عامة تشمل جميع القرابات) . انتهى. والله أعلم.
* * *