الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الأربعون بعد المائة
{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ
اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ مِن وَاقٍ (34) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) } .
* * *
عن قتادة في قوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ} قال: هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه، قال الله:{كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} قال: عن الخير فلا يبصره، {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} فبيّن من هم فقال:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} ، قال: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» . وقال ابن زيد في قوله: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ، قال: يدفعون الشر بالخير، لا يكافؤون الشر بالشر ولكن يدفعون. وعن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية:{سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} ثم قال: على دينكم.
عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإِشراك بالله، لأن الله يقول:{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله يقول:{أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} .
وعن مجاهد في قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مَتَاعٌ} ، قال: قليل ذاهب. وعن عبد الرحمن بن سابط في قوله: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مَتَاعٌ} ، قال: كزاد الراعي يزوّده أهله الكفّ من التمر أو الشيء من الدقيق، أو الشيء يشرب عليه اللبن.
قوله عز وجل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل
لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) } .
عن قتادة: قوله: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ} ، يقول: سكنت إلى ذكر الله. وعن عكرمة في قوله: {طُوبَى لَهُمْ} ، قال: مآلهم. وقال ابن عباس يقول: فرح وقرّة عين. وقال قتادة: هذه كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك أي: أصبت خيرًا. وعن مجاهد: {طُوبَى لَهُمْ} قال: الجنة. وعن ابن عباس: لما خلق الله الجنة وفرغ منها، قال:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} وذلك حين أعجبته. وعن شهر بن حوشب قال: {طُوبَى} شجرة في الجنة، كل
شجر الجنة منها أغصانها، من وراء سور الجنة. وقال عكرمة:{طُوبَى} ، قال: نِعْمَ ما لَهم. وقال قتادة يقول: حسن لهم، وهي كلمة من كلام العرب. وعن الضحاك:{طُوبَى لَهُمْ} غبطة لهم، {وَحُسْنُ مَآبٍ} ، قال: حسن منقلب.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ، قال البغوي: سبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو: «يا الله يا رحمن»
فرجع إلى المشركين فقال: إن محمدًا يدعو إلهين، يدعو الله ويدعو إلهًا آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى:{قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} .
وعن قتادة: قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ذكر لنا أن قريشًا قالوا: إن سرّك يا محمد أن نتّبعك فسيّر لنا جبال تهامة، أو زد لنا في حرمنا حتى نتّخذ قطائع نحترف فيها، أو أَحْيِ لنا فلانًا وفلانًا ناسًا ماتوا في الجاهلية، فأنزل الله تعالى:
…
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ، يقول: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وعن ابن عباس: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ} ، يقول: يعلم.
وقال ابن كثير: وقوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ} ، أي: من إيمان جميع الخلق ويعلموا ويتبيّنوا {أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} فإنه ليس ثمّ حجّة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول من هذا القرآن وعن قتادة: قوله: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} أي: بأعمالهم أعمال السوء {أَوْ تَحُلُّ
قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ} قال الحسن: أو تحل القارعة قريبًا من دارهم، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ} ، قال: يوم القيامة {إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
عن قتادة: قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ذلكم ربكم تبارك وتعالى قائم على بني آدم بأرزاقهم، وآجالهم، وحَفِظَ عليهم والله أعمالهم. وقال الضحاك في قوله:{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} فهو الله قائم على كل نفس، بَرّ وفاجر يرزقهم ويكلؤهم ثم يشرك به منهم من أشرك {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ} ولو سمّوهم آلهة لكذبوا، وقال في ذلك غير الحق، لأن الله واحد ليس له شريك. قال الله:{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ} ، يقول: لا يعلم الله في الأرض إلهًا غيره. وعن مجاهد: قوله: {بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ} بظنّ {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} ، قال: قولهم.
وقال البغوي: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} جوابه محذوف تقديره: كمن ليس بقائم، بل عليم عن نفسه.
قلت: وما أحسن قول الأعرابية حين قدمت العيينة، والمشركون عكوف عند قبر زيد بن الخطاب، فقال لها السدنة، قرّبي لزيد، فقالت: أين زيد؟ قالوا: في القبر، قالت: تحت الرضم؟ قالوا: نعم، قالت: ما نفع نفسه فينفعني، {بَلْ زُيِّنَ
لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ مِن وَاقٍ ْ} .
وقوله تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} لا ينقطع
…
{وِظِلُّهَا} لا يزول، {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ} ، أي: الجنة عاقبة المتقين ومنقلبهم، {وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ} ومصيرهم {النَّارُ} .
قال ابن زيد في قوله: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} قال: هذا من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فيفرحون بذلك، وقرأ {وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَاّ يُؤْمِنُ بِهِ} .
وفي قوله: {وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} قال: الأحزاب الأمم: اليهود، والنصارى، والمجوس، منهم من آمن به ومنهم من أنكره.
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} .
قال البغوي: نسب إلى العرب لأنه نزل بلغتهم {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} ، يعني: من ناصر ولا حافظ.
قال ابن كثير: وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً
وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) } .
قال ابن كثير في قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ، أي: لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها، {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} . وعن ابن
عباس أنه قال في هذه الآية: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} ، قال: الكتاب كتابان: كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. وعن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: (اللهم إن كنت كتبت عليّ شقوة أو ذنبًا فامحه، فإنك تمحوا ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة) . وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِرّ» . رواه أحمد وغيره. وعن ابن عباس: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ المنسوخ، وما يبدّل وما يثبت، كل ذلك
في كتاب. وقال كعب: علم الله ما هو خالق وما خَلْقُه عاملون، فقال بعلمه: كن كتابًا فكان كتابًا.
وقال البغوي: قوله تعالى: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من العذاب قبل وفاتك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل ذلك، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} ليس عليك إلا ذلك {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} الجزاء يوم القيامة.
وعن ابن عباس في قوله: {أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ، قال: أو لم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية. وقال ابن جريج: خرابها وهلاك الناس. وعن ابن عباس: قوله: {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ، يقول: نقصان أهلها وبركتها.
وعن قتادة: قوله: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} ، قال: قول مشركي قريش، {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ
الْكِتَابِ} أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق ويقرّون به ويعلمون أن محمدًا رسول الله، كما يُحدّث أن منهم عبد الله بن سلام. انتهى. والله أعلم.
* * *