المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٢

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس التاسع والستون

- ‌الدرس السبعون

- ‌الدرس الحادي والسبعون

- ‌الدرس الثاني والسبعون

- ‌الدرس الثالث والسبعون

- ‌الدرس الرابع والسبعون

- ‌الدرس الخامس والسبعون

- ‌الدرس السادس والسبعون

- ‌الدرس السابع والسبعون

- ‌الدرس الثامن والسبعون

- ‌الدرس التاسع والسبعون

- ‌الدرس الثمانون

- ‌الدرس الحادي والثمانون

- ‌الدرس الثاني والثمانون

- ‌الدرس الثالث والثمانون

- ‌الدرس الرابع والثمانون

- ‌[سورة الأنعام]

- ‌الدرس الخامس والثمانون

- ‌الدرس السادس والثمانون

- ‌الدرس السابع والثمانون

- ‌الدرس الثامن والثمانون

- ‌الدرس التاسع والثمانون

- ‌الدرس التسعون

- ‌الدرس الحادي والتسعون

- ‌الدرس الثاني والتسعون

- ‌الدرس الثالث والتسعون

- ‌الدرس الرابع والتسعون

- ‌الدرس الخامس والتسعون

- ‌[سورة الأعراف]

- ‌الدرس السادس والتسعون

- ‌الدرس السابع والتسعون

- ‌الدرس الثامن والتسعون

- ‌الدرس التاسع والتسعون

- ‌الدرس المائة

- ‌الدرس الواحد بعد المائة

- ‌الدرس الثاني بعد المائة

- ‌الدرس الثالث بعد المائة

- ‌الدرس الرابع بعد المائة

- ‌الدرس الخامس بعد المائة

- ‌الدرس السادس بعد المائة

- ‌الدرس السابع بعد المائة

- ‌الدرس الثامن بعد المائة

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌الدرس التاسع بعد المائة

- ‌الدرس العاشر بعد المائة

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائة

- ‌[سورة التوبة]

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائة

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائة

- ‌الدرس العشرون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة يونس عليه السلام]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة هود]

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة يوسف]

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة الرعد]

- ‌الدرس الأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة إبراهيم عليه السلام]

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائة

- ‌(سورة الحجر)

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة النحل]

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الإسراء]

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائة

الفصل: ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة

‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة

{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا

سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) } .

* * *

ص: 447

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) } .

قال البغوي: {قَالُواْ سَلَاماً} ، أي: سلّموا سلامًا، {قَالَ} إبراهيم:{سَلَامٌ} أي: عليكم السلام. وعن مجاهد: {فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} ، قال: بعجل حسيل البقر، والحنيذ: المشويّ النضيج. وعن مجاهد: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يَطْعَمْ من طعامهم، ظنوا أنه لم يجيء بخير وأنه يحدّث نفسه بشر، وقال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه، حدّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته وعجبت من أن قومًا أتاهم العذاب وهم في غفلة.

وقال ابن إسحاق: {فَضَحِكَتْ} ، يعني: سارة، لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه، ولما تعلم من قوم لوط، فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق

يعقوب، بابن وبابن ابن، فقالت: - وصكّت وجهها يقال: ضربت على جبينها - {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} إلى قوله: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} .

وقال ابن كثير: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} ، أي: قالت الملائكة لها: لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، فلا تعجبي من

ص: 448

هذا وإن كنت عجوزًا عقيمًا وبعلك شيخًا كبيرًا، فإن الله على ما يشاء قدير {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} ، أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله، محمود ممجّد في صفاته وذاته.

قوله عز وجل: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) } .

عن قتادة: قوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} ، قال: الفَرَقُ، {وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاق {يُجَادِلُنَا} يخاصمنا {فِي قَوْمِ لُوطٍ} .

وقال سعيد بن جبير: لما جاءه جبريل ومن معه قالوا لإِبراهيم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} قال لهم إبراهيم: أتهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيه مائتا مؤمن؟ قالوا: لا، قال: أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنًا؟ قالوا: لا، حتى بلغ خمسة، قالوا: لا،

فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} فسكت عنهم واطمأنت نفسه.

وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} ، قال مجاهد:{أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} : القانت الرجّاع. وفي حديث ابن إسحاق قال: أرأيتم إن كان رجلاً واحدًا مسلمًا؟ قالوا: لا، فلما لم يذكروا لإِبراهيم أنّ فيها مؤمنًا واحدًا قال:{إِنَّ فِيهَا لُوطاً} يدفع به عنهم العذاب، قالوا:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} ، قالوا: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ

مَرْدُودٍ} .

قوله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ

ص: 449

قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا

جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) } .

قال ابن إسحاق: خرجت الرسل فيما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفكة، فلما جاءت الرسل لوطًا:{سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} وذلك من تخوّف قومه عليهم أن يفضحوه في ضيفه فقال:

{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} ، قال ابن عباس: شديد.

وعن مجاهد: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} ، قال: يهرولون، وهو الإسراع في المشي. وقال سفيان بن عيينة: يهرعون إليه كأنهم يدفعون. وقال الضحاك يسعون إليه. {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} ، قال ابن عباس: يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط كانوا يأتون الرجال من أدبارهم.

{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} .

قال في فتح البيان: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي} ، أي: فتزوجوهنّ واتركوا أضيافي، وكانوا يطلبونهنّ قبل ذلك ولا يجيبهم، وكان تزويج المسلمة من الكافر جائزًا، أو المراد من البنات نساؤهم، وأضاف إلى نفسه لأن كل نبي أبو أمّته.

وقال الشيخ ابن سعدي: (فجاءه قومه يهرعون إليه، يريدون فعل الفاحشة بأضياف لوط فقال:{يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} لعلمه أنه لا حقّ لهم فيهنّ، كما عرض سليمان للمرأتين حين اختصمتا في

الولد فقال: ائتوني بالسكين أشقّه بينكما، ومن المعلوم أنه لا يقع ذلك، وهذا مثله، ولهذا قال في قومه: {لَقَدْ

ص: 450

عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} ، وأيضًا يريد بعض العذر من أضيافه، وعلى هذا التأويل لا حاجة إلى العدول إلى قول بعض المفسرين:{هَؤُلاء بَنَاتِي} ، يعني: زوجَاتهم) . انتهى.

وقال ابن إسحاق: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} ، أي: من أزواج {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} ، أي: إن بغيتنا لغير ذلك، فلما لم يتناهوا ولم يردّهم قوله، ولم يقبلوا منه شيئًا مما عرض عليهم من أمور بناته.

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ، أي: عشيرة تمنعني أو شيعة تنصرني، لَحُلْتُ بينكم وبين هذا. وقال ابن جريج: بلغنا أنه لم يُبعث نبي بعد لوط إلا في ثروة قومه، حتى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن كثير: ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، يعني: الله عز وجل، فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه» . فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم رسل الله إليه، وأنهم لا وصول لهم إليه {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} . وقال السدي: لما قال لوط: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} بسط حينئذٍ جبرائيل عليه السلام جناحيه ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضهم في أدبار بعض عميانًا يقولون: النجاة النجاة، فإن

في بيت لوط أسحر قوم في الأرض، فذلك قوله:{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} .

و {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} واتبع أدبار أهلك، يقول: سر بهم وامضوا حيث تؤمرون، فأخرجهم الله إلى الشام، وقال لوط: أهلِكوهم

ص: 451

الساعة فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصبح {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} ؟ فلما أن كان السَحَرُ خرج لوط وأهله معه امرأته فلذلك قوله: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} وقال قتادة: ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت فالتفتت، وأرسل الله عليها حجرًا فأهلكها.

وعن مجاهد في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} ، قال: لما أصبحوا غدا جبريل على قريتهم، ففتقها من أركانها، ثم أدخل جناحه ثم حملها على حوافي جناحه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها فكان أول ما سقط منها شرافها، فلذلك قول الله:{جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} . قال مجاهد: لم يصب قومًا ما أصابهم، إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل. قال ابن عباس: وهي بالفارسية حجارة من طين. وقال الربيع بن أنس في قوله: {مَّنضُودٍ} ، قال: نضد بعضها على بعض. وعن مجاهد: {مُّسَوَّمَةً} معلّمة.

وقوله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} .

قال ابن كثير: أي: وما هذه النقمة ممن تشبّه بهم في ظلمهم ببعيد عنه. وقد ورد في الحديث المرويّ في السنن عن ابن عباس مرفوعًا: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعلَ والمفعول به» . وذهب الإِمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى: أن اللائط يقتل سواء كان محصنًا أو غير محصن، عملاً بهذا الحديث، وذهب الإِمام أبو حنيفة إلى أنه يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط. انتهى.

ص: 452

وقال الشوكاني: قال ابن الطلاع في أحكامه: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط، ولا أنه حكم فيه، وثبت عنه أنه قال:«اقتلوا الفاعل والمفعول به» . رواه عنه ابن عباس، وأبو هريرة رضي الله عنهما. وأخرج البيهقي عن عليّ عليه السلام أنه رجم لوطيًّا. قال الشافعي: وبهذا نأخذ برجم اللوطيّ محصنًا كان أو غير محصن. وأخرج البيهقي أيضًا عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه جمع الناس في حق الناس في حق رجل ينكح كما تنكح النساء، فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكان من أشدهم يومئذٍ قولاً عليّ بن أبي طالب قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة، صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن تحرقه بالنار، فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار. وفي إسناده إرسال. وروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ في غير هذه القصة قال: (يرجم

ص: 453

ويحرق بالنار) . وأخرج البيهقي أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطيّ فقال: (ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكّسًا، ثم يتبع الحجارة) . وذهب عمر، وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط. وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل، وما أحقّ مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة، بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذّب تعذيًا يكسر شهوة الفسقة المتمردّين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يَصْلَى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهًا لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وشيبهم) انتهى ملخصًا. والله أعلم.

* * *

ص: 454