الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع والأربعون بعد المائة
{وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَاّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ
أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (76) وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80) وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) } .
* * *
قال الفراء في قوله: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} ردّ الكناية إلى النعم، والنعم والأنعام واحد، ولفظ النعم مذكّر.
وقوله تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} ، قال البغوي: والكناية في (منه) عائدة إلى ما محذوف أي: ما تتخذون منه. وقال ابن عباس: السكَر ما حرّم من ثمرتها، والرزق الحسن ما أحلّ من ثمرتها. وقال مجاهد: السكر الخمر قبل أن تحرّم، والرزق الحسن الرُطَب والأعناب.
وقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} .
قال البغوي: أي: ألهمها وقذف في أنفسها ففهمته، {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} وقد جرت العادة أن أهلها يبنون
لها الأماكن فهي تأوي إليها. وعن مجاهد: {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} ، قال: لا يتوعرّ عليها مكان سلكته. وقال قتادة: أي: مطيعة. وقال ابن زيد: الذلول الذي يقاد
ويذهب به حيث أراد صاحه، فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم.
وعن قتادة: قوله: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} ففيه شفاء كما قال الله تعالى: من الأدواء، وقد كان ينهى عن تفريق النحل وعن قتلها. وقال ابن مسعود: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
قال البغوي: قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} صبيانًا أو شبانًا أو كهولاً، {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أردئه، قال مقاتل: يعني: الهرم، وقال قتادة: أرذل العمر تسعون سنة، وروي عن عليّ قال: أرذل العمر خمس وسبعون سنة، وقيل: ثمانون سنة، {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ
عِلْمٍ شَيْئاً} لكيلا يعقل بعد عقله الأول شيئًا: {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} . وساق بسنده حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر، وعذاب القبر وفتنة الدجّال، وفتنة المحيا والممات» . وعن ابن عباس: قوله: {وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} .
يقول: لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟ فلذلك قوله:{أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ} .
وعن مجاهد في قوله: {بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال: مثل آلهة الباطل مع الله تعالى ذكره.
وقوله تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} ، قال ابن عباس: هم: الولد، وولد الولد. وقال ابن مسعود: الحفدة الأصهار.
قوله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَاّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (76) } .
قال مجاهد: {الأَمْثَالَ} الأشباه. وعن ابن عباس: قوله: {فَلَا تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} ، يعني: اتخاذهم الأصنام يقول: لا تجعلوا معي إلهًا غيري فإنه لا إله غيري.
وعن قتادة: قوله: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَاّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه الله مالاً فلم يقدّم فيه خيرًا ولم يعمل فيه بطاعة الله؛ قال الله تعالى ذكره:{وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} فهذا المؤمن أعطاه الله مالاً يعمل فيه بطاعة الله، وأخذ بالشكر، ومعرفة الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم،
الدائم لأهله في الجنة، وعن مجاهد: هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى، فهل يستوي هذا وهذا؟
وقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ} ، قال قتادة: هو الوثن، {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} ، قال: الله {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، وقال الكلبي: يعني: يدلّكم على صراط مستقيم.
قوله عز وجل: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ
وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) } .
عن قتادة: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ} هو أن يقول: كن فهو كلمح البصر، فأمر الساعة كلمح البصر أو {أَقْرَبُ} ، يعني يقول: أو هو أقرب من لمح البصر.
عن مجاهد في قول الله تعالى: {مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً} تسكنون فيه. وعن ابن عباس: {أَثَاثاً} ، قال: يعني بالأثاث: المال، {وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} ، يعني: زينة، يقول: ينتفعون به {إِلَى حِينٍ} ، قال قتادة: إلى أجل وبُلْغَة. {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالاً} قال: الشجر {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} ، يقول: غيرانًا. {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} من القطن والكتان والصوف.
قال البغوي: قال أهل المعاني: أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} ، يعني: الدروع ولباس الحرب. وقال عطاء: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم فقال: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} وما جعل لهم من السهول أكثر وأعظم، ولكنهم كانوا أصحاب جبال.
وقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} ، قال ابن جريج: قال عبد الله بن كثير: يعلمون أن الله خلقهم، وأعطاهم ما أعطاهم، فهو معرفتهم نعمته، ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد.
وقال ابن كثير: أي: يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك، وهو المتفضّل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك، ويعبدون معه غيره، ويسندون النصر والرزق إلى غيره.
* * *