الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والثمانون
{يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَاّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَاّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي
وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ
عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) }
* * *
قوله عز وجل: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (109) } .
عن ابن عباس: قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لَا عِلْمَ لَنَا} إلا علمٌ أنت أعلم به منا.
قال ابن كثير: وهو من باب التأدب مع الرب، جل جلاله، أي: لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء، فنحن وإن كنا قد أجبنا وعرفنا من أجابنا، ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره، لا علم لنا بباطنه، وأنت العليم بكل شيء، المطلع على كل شيء. فعلمنا بالنسبة إلى علمك كَلا عِلْم، فإنك {أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} .
عن السدي: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} ، يقول: قذفت في قلوبهم. وقال الحسن. ألهمهم الله ذلك.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون المراد: وإذا أوحيت إليهم بواسطتك.
قال البغوي: والحواريون [خواص] أصحاب عيسى عليه السلام.
عن ابن عباس: أنه كان يحدث عن عيسى صلى الله عليه وسلم أنه قال لبني إسرائيل: (هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له، ففعلوا ثم قالوا: يا معلّم الخير، قلت لنا: إن أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يومًا، إلا أطعمنا حين نفرغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينزل
علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى: {اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا
مِنَ الشَّاهِدِينَ} إلى قوله: {لَاّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} ، قال: فأقبلت الملائكة تطير من السماء عليها سبعة أحْواتٍ وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم) .
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت المائدة خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا ولا يرفعوا، فخانوا وادّخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير» . رواه ابن جرير. وقال عبد الله بن عمرو: (إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون) .
قال السدي: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه قالت النصارى ما قالت،
وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله عن قوله فقال: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي
نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ} إلى قوله: {وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} . وعن ابن جريج: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} ؟ قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرّ له بالعبودية عن نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول، إنه إنما كان باطلاً. وعن ميسرة قال: قال الله تعالى: يا عيسى أَأَنت قلت للناس اتَّخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال: فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قالها، فقال:{سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ} .
وقوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} عن السدي في قوله: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام، {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، وهذا قول عيسى في الدنيا، واختاره ابن جرير. وقال سائر المفسرين: إنما يقول الله هذا القول يوم القيامة.
قال ابن كثير: والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر، والله أعلم: أن ذلك كائن يوم القيامة، ليدل على تهديد النصارى، وتقريعهم وتوبيخهم، على رؤوس الأشهاد يوم القيامة. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم
محشورون وإن
ناسًا يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} » . رواه البخاري.
قال الضحاك: عن ابن عباس في قوله: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ، يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم. وفي الحديث الصحيح: «إن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البر يهدي إلى الجنّة» . والله أعلم.
* * *