الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني والعشرون بعد المائة
{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُون (127) لَقَدْ
جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) } .
* * *
عن قتادة: قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} هذا إذا غزا نبي الله بنفسه، فليس لأحد أن يتخلف. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«لولا أن أشقّ على أمتي ما تخلّفت خلف سرية تغزو في سبيل الله، لكني لا أجد سعة فأنطلق بهم معي ويشقّ عليّ أن أدعهم بعدي» . وقال قتادة: ما زاد قوم في سبيل الله بعدًا إلا ازدادوا من الله قربًا.
وقال الضحاك في قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} الآية. كان
نبي الله إذا غزا بنفسه لم يحلّ لأحد من المسلمين أن يتخلّف عنه إلا أهل
العذر، وكان إذا أقام فأسرت السرايا لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، فكان الرجل إذا أسرى فنزل بعده قرآن تلاه نبي الله على الصحابة القاعدين معه، فإذا رجعت السرية قال لهم: الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنًا فيقرئونهم ويفقّهونهم في الدين» .
وقيل: نزلت هذه الآية حين نزل أحياء العرب المدينة، فغلت أسعارهم وفسدت طرقهم. وفي الحديث الصحيح:«من يرد الله به خيرًا يفقّه في الدين» .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، قال البغوي: أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب.
قوله عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ
إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُون (127) } .
عن ابن عباس: قوله: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} قال: كان إذا نزلت سورة آمنوا بها، فزادهم الله إيمانًا وتصديقًا، وكانوا يستبشرون.
وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ، أي: شك ونفاق، {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} فعند نزول كل سورة ينكرونها، ويزداد كفرهم.
وقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} يختبرون، {فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال مجاهد: بالقحط والشدة؛ وقال حذيفة: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضلّ بها فئام من الناس.
قال ابن كثير: هذا أيضًا إخبار عن المنافقين، أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:{نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} ، أي: تلفّتوا، {هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ} أي: تولوّا عن الحق وانصرفوا عنه، وهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق، ولا يقبلونه، ولا يفهمونه.
عن جعفر بن محمد [عن أبيه] في قوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ، قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني
خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح» . وقال قتادة: جعله الله من أنفسهم ولا يحسدونه. وعن ابن عباس في قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} قال: ما ضللتم. وقال القتيبي: ما أعنتكم وضرّكم. وعن قتادة: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} حريص على ضالّهم أن يهديه الله. وقال أبيّ بن كعب: أحدث القرآن عهدًا بالله الآيتان، {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} إلى آخر السورة. وقال أبو الدرداء:(من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات إلا كفاه الله ما أهمّه) . والله أعلم.
* * *