الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عباس: هي قرية. يقال: أيلة بين مدين والطور، على شاطئ البحر، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} ، يقول: ظاهرة على الماء من كل مكان، {وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} .
قال ابن كثير: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} ، أي: نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء، في اليوم المحرّم عليهم صيده، وإخفائها عنهم في اليوم الحلال لهم صيده. {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} نختبرهم، {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ، يقول: بفسقهم عن طاعة الله، وخروجهم عنها، وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله، بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة، التي معناها في الباطن تعاطي الحرام، ثم ذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلّوا محارم الله بأدنى الحيل» .
وقال قتادة: أتاهم الشيطان فقال: إنما حرّم عليكم أكلها يوم السبت. وقال ابن عباس: ابتدعوا السبت فابتلوا فيه، فحرّمت عليهم، فكانوا إذا كان يوم السبت شرّعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل، فإذا جاء السبت جاءت شرّعًا،
فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا
كذلك، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتًا، فحزمه بأنفه، ثم ضرب له وتدًا في الساحل وربطه وتركه في الماء، فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهم ينظرون لا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحد، إلا عصبة منهم نهوه حتى ظهر ذلك في الأسواق، وفعل علانية.
عن عكرمة قال: قال ابن عباس: نسمع الله يقول: {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} فلا أدري ما فعل بالفرقة الساكتة. قال عكرمة: قلت له: جعلني الله فداك، ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه وقالوا:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ} . وإن لم يقل الله: أنجيتهم، لم يقل: أهلكتهم، فأعجبه قولي فرضي، وأمر لي ببردين فكسانيهما، وقال: نجت الفرقة الساكتة.
وعن قتادة: {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} ، يقول: لما مرد القوم على المعصية، {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فصاروا قردة لها أذناب تعاوي بعدما كانوا رجالاً ونساء.
قوله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
…
مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167) } .
عن مجاهد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} ، قال: أمر ربك. وعن ابن عباس: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ، قال: يهود، وما ضرب عليهم من الذلة والمسكنة.
عن ابن عباس: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً} ، قال: كل أرض يدخلها قوم من اليهود.
وقوله تعالى: {مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ} ، قال ابن عباس، ومجاهد: يريد الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} ، يعني: الذين بقوا على الكفر. {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} .
قال البغوي: بالخصب والعافية، {وَالسَّيِّئَاتِ} الجدب، والشدة. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا.
وعن مجاهد في قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} ، قال: ما أشرف لهم من شيء في اليوم من الدنيا حلال أو حرام يأخذونه، ويبتغون المغفرة، فإن يجدوا الغد مثله يأخذوه. وقال قتادة: إي والله، لَخُلْفُ سوء.
قال ابن كثير: ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى إتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو مكتوب فيه، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ
بِالْكِتَابِ} ، أي: اعتصموا به واقتدوا بأوامره، وتركوا زواجره {وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} .
وقال في (جامع البيان) : (أي أجرهم لإصلاحهم) . انتهى.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بدأ الإِسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء» . قيل: من هم؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» . وفي رواية: «الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» .
عن ابن عباس: قوله: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} فقال لهم موسى: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} ، يقول: من العمل بالكتاب، وإلا خرّ عليكم الجبل فأهلككم، فقالوا: بل نأخذ ما آتانا الله بقوة، ثم نكثوا بعد ذلك. وقال قتادة: نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم فقال: لتأخذنّ أمري أو لأرمينّكم به. وقال الحسن: لما نظروا إلى الجبل، خرّ كل رجل ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليمنى فَرَقًا من أن يسقط عليه، ولذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رُفعت عنا بها العقوبة. والله أعلم.
* * *