الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الرابع والتسعون
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ (157) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (159) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى
رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) } .
* * *
قال ابن جرير: يعني جل ثناؤه بقوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} ، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسي الكتاب. وعن مجاهد: {تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ} ، قال: المؤمنين. وعن الربيع: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ} فيما أعطاه الله. وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمّم له ذلك في الآخرة. {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} فيه حلاله وحرامه.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} وهو: القرآن الذي أنزله على محمد عليه السلام {فَاتَّبِعُوهُ} ، يقول: فاتبعوا حلاله وحرّموا حرامه، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
وعن ابن عباس: قوله: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} وهم: اليهود والنصارى، {وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ} تلاوتهم، {لَغَافِلِينَ} وقال ابن زيد: الدراسة: القراءة والعلم.
وعن السدي: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ
جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} ، يقول: قد جاءكم بيّنة لسان عربيّ مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم.
وعن ابن عباس: {وَصَدَفَ عَنْهَا} ، يقول: أعرض عنها،
…
{سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} ، قال قتادة: يعرضون.
عن مجاهد: {إِلَاّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ} ، يقول: عند الموت حين توفَّاهم، {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} ذلك يوم القيامة، {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوع الشمس من مغربها. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: « {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا} طلوع الشمس من مغربها» . رواه ابن جرير.
وعن السدي: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، يقول: كسبت في تصديقها خيرًا: عملاً صالحًا، فهؤلاء أهل القبلة، وإن كانت مصدّقة ولم تعمل قبل ذلك خيرًا، فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها، وإن عملت قبل الآية خيرًا ثم عملت بعد الآية خيرًا قُبِل منها.
وقال الضحاك: من أدركه بعض الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه، قبل الله منه العمل بعد نزول الآية، كما قبل منه قبل ذلك.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (159) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) } .
عن قتادة: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً} من اليهود والنصارى. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وليسوا منك: «هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة» . رواه ابن جرير. وعن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا} ، قال رجل من القوم: فإنّ لا إله إلا الله حسنة، قال:«نعم أفضل الحسنات» . وعن قتادة: قوله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الأعمال ستة، مُوجِبة ومُوجِبة، ومُضْعِفة ومُضْعِفة، ومِثْل ومِثْل؛ فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنّة، ومن لقي الله مشركًا به دخل النار، والضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمائة ضعف، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها، وأما مثل ومثل: فإذا هم العبد بحسنة فلم يعلمها كتبت له حسنة، وإذا همّ بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيّئة» .
يقول تعالى: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام: {إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً} . قال ابن جرير: يقول: مستقيمًا؛ وذكر قراءتين ثم قال: والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متفقتا المعنى، فبأيّهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيب، غير أن فتح القاف وتشديد الياء أعجب إليّ لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما. وعن قتادة:{وَنُسُكِي} . قال: ذبحي.
…
{وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، أي: أول المسلمين من هذه الأمة. وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ} ، أي: جعلكم تعمرونها جيلاً بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وخلفًا بعد سلف.
قال ابن زيد وغيره: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أي: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق {لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} أي: ليختبركم فيما أنعم به عليكم، {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
…
رَّحِيمٌ} ترهيب لمن عصاه، وترغيب لمن أطاعه. والله أعلم.
* * *