الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والتسعون
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلَاّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُم مِّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } .
* * *
عن ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} ، قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب. وعن قتادة: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الثروب، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:«قاتل الله اليهود، حرم عليهم الثروب ثم أكلوا أثمانها» . وقال ابن جريج: إنما حرم عليهم الثرب، وكل شحم كان كذلك ليس في عظم. وقال السدي: الثرب وشحم الكليتين، وكانت اليهود تقول: إنما حرّمه إسرائيل فنحن نحرّمه.
وعن ابن عباس: {إِلَاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} ، يعني: ما علق بالظهر من الشحوم. وقال أبو صالح: الإِلية مما حملت ظهورهما. وعن مجاهد: الحوايا المبعر والمربض. وعن ابن جريج: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} ، قال: شحم الإلية بالعصعص فهو حلال، وكل شيء في القوائم، والجنب، والرأس، والعين ومَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فهو حلال.
وعن قتادة: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم.
وقوله تعالى: {وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} ، أي: فيما أخبرنا من تحريمنا ذلك عليهم، لا كما زعموا أن إسرائيل حرّمه. وقال السدي: كانت اليهود يقولون: إنما حرّمه إسرائيل - يعني: الثرب وشحم الكليتين - فنحن نحرّمه، فذلك قوله:{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} انتهى. والآية عامة في جميع المكذبين.
عن ابن عباس: قوله: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} قال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} ، ثم قال:{وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ} فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى الله زلفى، فأخبرهم الله أنها لا تقرّبهم.
وقوله: {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ} . يقول الله سبحانه: لوشئت لجمعتهم على الهدى أجمعين. وعن مجاهد: {وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} ، قال: قول قريش يعني: أن الله حرّم هذا البحيرة والسائبة.
وقوله تعالى: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَاّ تَخْرُصُونَ} ، كقوله تعالى:
وقوله تعالى: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . قال الربيع بن أنس: لا حجّة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده، وقال:{فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . قال: لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون. وعن السدي قوله: {هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هَذَا} ، يقول: أروني الذين يشهدون أن الله حرّم هذا مما حرّمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به، قال الله لرسوله:{فَإِن شَهِدُواْ فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} .
قال ابن عباس: الإِملاق: الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر. وعن قتادة:{وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} سرّها وعلانيتها.
قوله عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا وَإِذَا
قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } .
عن مجاهد: {وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . قال: التجارة فيه. وقال الضحاك: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا؛ وقال ابن زيد: قال الله: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} . وعن ربيعة في قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} ، قال: الحلم. وعن مجاهد: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} بالعدل.
وقال ابن زيد في قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} ، قال: قولوا الحق، وقال السدي: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن. وعن الربيع بن خيثم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} .
عن مجاهد في قول الله: {وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} ، قال: البدع والشبهات. وعن ابن مسعود قال: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: «هذا سبيل الله» ، ثم خطّ عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال:«هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليها» ، ثم
قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} . وقال ابن زيد: سبيله الإسلام.
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله: «أيّكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث» ؟ ثم تلا: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} حتى فرغ من ثلاث آيات،
ثم قال: «ومن وفّى بهنّ فأجره على الله، ومن انتقص منهنَّ فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى الله، إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه» . رواه ابن أبي حاتم. والله أعلم.
* * *