الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والعشرون بعد المائة
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَاّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلَاّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ
تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) } .
* * *
قال الفراء: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ} معناه: وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} .
وقوله تعالى: {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} ، أي: من التوراة والإنجيل، {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} تبيين ما في القرآن من الحلال، والحرام، والأحكام {لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} .
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ، أي: اختلق محمد القرآن من قبل نفسه {قُلْ فَأْتُواْ
بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ} ليعينوكم على ذلك {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أن محمدًا افترأه {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} ، يعني: لما رأوا القرآن مشتملاً على أمور ما عرفوا حقيقتها، سارعوا بجهلهم إلى التكذيب {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ، أي: عاقبة ما وعد الله في القرآن {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} آخر أمرهم بالهلاك.
{وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} أي: من قومك من يؤمن بالقرآن، {وَمِنْهُم مَّن لَاّ يُؤْمِنُ بِهِ} لعلم الله السابق فيهم إنهم لا يؤمنون، {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} .
{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي} وجزاؤه {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} وجزاؤه {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} .
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} بأسماعهم الظاهرة فلا ينفعهم، {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لَا يَعْقِلُونَ} ؟ فإن الأصم العاقل ربما يتفرّس.
…
{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} ويعاينون أدلّة صدقك لكن لا يصدّقون،
…
{أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لَا يُبْصِرُونَ} ؟ أي: أفتطمع أنك تقدر على فاقد البصر والبصيرة؟ فإن العمى مع الحمق جهد البلاء، {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والمعاصي.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلَاّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) } .
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ} ، أي: في الدنيا، {إِلَاّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} كمعرفتهم في الدنيا.
وعن مجاهد: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من العذاب في حياتك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} ، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ} قال: يوم القيامة {قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} قال: بالعدل {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} كما قال تعالى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
…
وَالشُّهَدَاء} .
وقوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ؟.
قال البغوي: فيه إضمار، أي: يقال لكم: الآن تؤمنون حين وقع العذاب {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} تكذيبًا واستهزاء.
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ} كفرت بالله
وظلمها في هذا الموضع عبادتها غير من يستحق عبادة، وتركها طاعة من يجب عليها طاعته، {مَا فِي الأَرْضِ} من قليل أو كثير، {لَافْتَدَتْ بِهِ} يقول: لافتدت بذلك كله من عذاب الله إذا عاينته.
وقوله: {وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ} ، يقول: وأخفت رؤساء هؤلاء المشركين من وضعائهم وسفلتهم الندامة، حين أبصروا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيقنوا أنه واقع بهم.
وقوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} ، أي: بالعدل، {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى إنه مالك السماوات والأرض فإنه وعده حق كائن لا محالة، وأنه يحيي الموتى وإليه مرجعهم، وأنه تعالى القادر على ذلك، العليم بما تفرّق من الأجساد، وتمزق في سائر أقطار الأرض والبحار والقفار. والله أعلم.
* * *