الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والخمسون بعد المائة
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً (47) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً (48) وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً (52) وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً (53) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً
(57)
وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلَاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ
مَسْطُوراً (58) وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَاّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَاّ تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْيَاناً كَبِيراً (60) } .
* * *
عن قتادة: قوله: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً} الحجاب المستور أكنّة على قلوبهم أن يفقهوه، وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} وأن المسلمين لمّا قالوا: لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يُمْضِيَها، وينصرها، ويفلجها، ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمةٌ من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها.
وقوله تعالى: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} ، قال قتادة: ونجواهم أن زعموا أنه مجنون، وأنه ساحر، وقالوا: أساطير الأولين. وعن
مجاهد: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} مخرجًا، الوليد بن المغيرة وأصحابه.
قوله عز وجل: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ
فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً (52) } .
وعن مجاهد: {قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} ، قال: ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله ما كنتم.
وعن قتادة: {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: خلقكم {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} ، يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك سيهزّون إليك رؤسهم برفع وخفض. وقال ابن عباس: يحرّكون رؤوسهم يستهزئون {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} من قبوركم {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} ، قال ابن عباس: بأمره.
وقال ابن كثير: أي: وله الحمد على كل حال. وعن قتادة:
…
{وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً} أي: في الدنيا في أنفسهم، وقلت: حين عاينوا يوم القيامة.
عن الحسن في هذه الآية: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، قال:{الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} لا يقول له مثل قوله، يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك. {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} . في الصحيحين عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعلّ الشيطان أن ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار» . وعن ابن جريج قوله:
…
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} ، قال: فتؤمنوا، {أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} فتموتوا على الشرك كما أنتم. انتهى. وقد قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} . وعن قتادة: قوله: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وكلّم الله موسى تكليمًا، وجعل الله عيسى كمثل آدم، خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، وهو عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، وآتى سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده،
وآتى داود زبورًا، كنا نحدّث دعاء عُلّمه داود: تحميد وتمجيد ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر.
عن ابن عباس: قوله: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً} ، قال: كان أهل الشرك يقولون: نعبد الملائكة وعزيرًا، وهم {الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني: الملائكة والمسيح وعزيرًا، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} ، قال مجاهد: عيسى ابن مريم، وعزير، والملائكة. وقال ابن عباس:{الْوَسِيلَةَ} القربة. وقال قتادة: القربة، والزلفى. قال الزجاج:{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرّب إليه بالعمل الصالح. قال ابن مسعود:
(نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنّيّون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم) .
وقال ابن كثير: يقول تعالى: {قُلِ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، {ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ} من الأصنام والأنداد،
فارغبوا إليهم فإنهم لا يملكون كشف الضر عنكم، أي: بالكلية، {وَلَا تَحْوِيلاً} بأن يحوّلوه إلى غيركم، والمعنى: أن الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له، الذي له الخلق والأمر.
وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء المشركون أربابًا {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} ، يقول: يبتغي المدّعون أربابًا إلى ربهم القربى والزلفى. لأنهم أهل إيمان به، والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله، أيّهم أقرب إليه بصالح أعماله واجتهاده في عبادته أقرب عنده زلفة {وَيَرْجُونَ} بأفعالهم تلك {رَحْمَتَهُ} ، {وَيَخَافُونَ} بخلافهم أمره {عَذَابَهُ} ، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ} يا محمد {كَانَ مَحْذُوراً} متّقى.
عن مجاهد في قول الله عز وجل: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلَاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فمبيدوها، {أَوْ مُعَذِّبُوهَا} بالقتل والبلاء، قال: كل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا.
وقال ابن زيد في قوله: {كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} ، قال: في أم الكتاب.
قال ابن كثير: في اللوح المحفوظ. قال: وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال تعالى: عن الأمم الماضين: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} . وعن ابن عباس قال: (سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوه فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، فقال:«بل تستأني بهم» ، فأنزل الله:{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَاّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} ، قال قتادة: أي: بيّنة {فَظَلَمُواْ بِهَا} .
قال ابن جرير: وذلك أنهم قتلوها وعقروها.
وعن قتادة: قوله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَاّ تَخْوِيفاً} وإن الله تخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون أو يذكرون أو يرجعون. ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال: يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} ، قال مجاهد: فهم في قبضته. وقال قتادة: أي: منعك من الناس حتى تبلغ رسالة ربك.
وعن ابن عباس: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} قال: هي رؤيا أُريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} شجرة الزقوم. وعن الحسن في قوله:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} ، قال: قال كفار أهل مكة: أليس من كَذِبِ ابن أبي كبشة أنه يزعم أنه سار مسيرة شهرين في ليلة؟ وعن قتادة: قوله:
…
{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْيَاناً كَبِيراً} وهي: شجرة الزقوم خوّف الله بها عباده، فافتتنوا بذلك حتى قال قائلهم، أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجرة، وإنا والله ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فتزقّموا، فأنزل الله تبارك وتعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجرة:{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، إني خلقتها من النار، وعَذّبت بها من شئت من عبادي. وبالله التوفيق.
* * *