الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والعشرون بعد المائة
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَاّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا
يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) } .
* * *
عن الضحاك: {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} قال: منازل صدق: مصر، والشام. وقال قتادة: بوّأهم الله الشام وبيت المقدس.
قال ابن كثير: وقوله: {فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ} ، أي: ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم، أي: ولم يكن لهم أن يختلفوا وقد بيّن الله لهم وأزال عنهم اللبس وقد ورد في الحديث: «أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار» ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» . رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ، وهو في السنن
والمسانيد؛ ولهذا قال الله تعالى:
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
وقال الضحاك في قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} ، يعني: أهل التقوى وأهل اليمان من أهل الكتاب ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أشكّ ولا أسأل» .
قال ابن كثير: وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة.
وعن مجاهد في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} قال: حقّ عليهم سخط الله بما عصوه.
وعن ابن عباس: قوله: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} ، يقول: لم تكن قرية آمنت ينفعها الإيمان إذا نزل بها بأس الله إلا قرية يونس. وعن سعيد بن جبير قال: لما أرسل يونس إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه، قال: فدعاهم فأبوا، فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبّحهم فقالوا: إنا لم نجرب عليه كذبًا، فانظروا فإن بات فيكم فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبّحكم. فلما كان في جوف الليل أخذ مخلاته فتزوّد فيها شيئًا ثم خرج، فلما أصبحوا تغشّاهم العذاب كما يتغشّى الإنسان الثوب في القبر، ففرقوا بين الإنسان وولده، وبين البهيمة وولدها، ثم عجّوا إلى الله فقالوا: آمنا بما جاء به يونس وصدّقنا،
فكشف الله عنهم العذاب، فخرج يونس ينظر العذاب فلم ير شيئًا. قال جربّوا عليّ كذبًا، فذهب مغاضبًا لربه حتى أتى البحر.
عن ابن عباس: قوله: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} .
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَاّ بِإِذْنِ اللهِ} ونحو هذا في القرآن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره أنه لا يؤمن من قومه إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول.
وعن قتادة: قوله: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ} يقول: وقائع الله في الذين خلو من قبلهم: قوم نوح، وعاد، وثمود. وقال الربيع: خوّفهم عذابه ونقمته وعقوبته.
قوله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم
بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) } .
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} ، يقول تعالى ذكره: ولا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك شيئًا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني: الآلهة والأصنام يقول: لا تعبدها راجيًا نفعها وخائفًا ضرها، فإنها لا تنفع ولا تضر، فإن فعلت ذلك فدعوتها من دون الله، {فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} ، يقول: من المشركين بالله الظالم لنفسه.
وقال ابن كثير: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} ، أي: وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به، وإنما أنا نذير لكم، والهداية على الله تعالى.
وقوله: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} ، أي: تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه إليك، {وَاصْبِرْ} على مخالفة من خالفك من الناس،
…
{حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ} ، أي: يفتح بينك وبينهم {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} أي: خير الفاتحين بعدله وحكمته. والله أعلم.
* * *