الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والأربعون بعد المائة
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ
الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن
سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) } .
* * *
عن قتادة: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} وشاهدها نبيّها على أنه قد بلّغ رسالات ربه. قال الله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء} .
وعن مجاهد: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} حدّثوهم. وعن قتادة: {وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} ، يقول: ذلّوا واستسلموا يومئذٍ، {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} . وعن ابن مسعود في قوله:{زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} ، قال: أفاعي. وعن عبد الله بن عمرو قال: إن لجهنّم سواحل فيها حيات وعقارب، أعناقها كأعناق البُخت.
وعن ابن جريج في قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} ، قال: ما أمروا به ونُهوا عنه. وقال ابن مسعود: أنزل في هذا القرآن كل علم وكل شيء، قد تبيّن لنا في القرآن، ثم تلا هذه الآية.
قال ابن مسعود: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} إلى آخر الآية. وقال قتادة: إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيِّيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدّم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على رجل من الكفار فقال:(إن له والله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر) .
وقال نافع بن يزيد: سألت يحيى بن سعيد عن قول الله: {وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ، قال: العهود. وعن مجاهد: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} ، قال: وكيلاً.
وعن قتادة: قوله: {وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده.
وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} .
قال ابن جرير: {دَخَلاً بَيْنَكُمْ} ، يقول: خديعة وغرورًا ليطمئنوا إليكم وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد. وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ منهم، فنُهوا عن ذلك.
قال ابن كثير: لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده، ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصدّ بسببه عن الدخول في الإسلام.
وقوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ينهى تعالى عن نقض العهد ويحثّ على الوفاء به والصبر على ذلك. وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبّ دنياه أضرّ
بآخرته، من أحبّ آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما ينفى» . رواه البغوي.
وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، قال ابن عباس: الحياة الطيبة الرزق الحلال في الدنيا. وقال الحسن: هي القناعة. وقال الضحاك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً} وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة فحياته طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحًا فعيشته ضنكة لا خير فيها. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنّعه الله بما آتاه» .
وعن ابن عباس: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، قال: إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. والله أعلم.
* * *