الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سئل عكرمة عن قول الله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فكلّ ساعة يتوضأ؟ فقال: قال ابن عباس: لا وضوء إلا من حدث. وقال السدي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} ، يقول: قمتم وأنتم على غير طهر. وعن أنس قال: توضأ عمر بن الخطاب وضوءًا فيه تجوّز خفيفًا، فقال: هذا وضوء من لم يُحْدث. وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكلّ صلاة فلما كان عام الفتح صلَّى الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله! قال: «عمدًا فعلتُه» . قال ابن جرير كلامًا معناه: أنه أَمْرُ فرضٍ على المحدث، وأمرُ ندبٍ إن كان على طهر.
وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات» . رواه ابن جرير.
وقوله تعالى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} ، قال إبراهيم: يجزي اللحية ما سال
عليها من الماء. وكان الحسن إذا توضأ مسح لحيته مع وجهه. وعن قتادة عن الحسن قال: ليس عرك العارضين في الوضوء بواجب. وقال أبو عمر: وليس عرك العارضين وتشبيك اللحية بواجب في الوضوء. وعن شعبة قال: سألت الحكم وقتادة عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه لم يتمضمض ولم يستنشق، فقال: يمضي في صلاته. وقال ابن عمر: الأذنان من الرأس، فإذا مسحت الرأس فامسحها؛ وعنه أنه:(كان إذا توضأ عرك عارضيه، وشبك لحيته بأصابعه أحيانًا، ويترك أحيانًا) . وعن أم سلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلّل لحيته) . رواه ابن جرير. وعن أبي أيوب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض ومسح لحيته من تحتها بالماء) . رواه ابن جرير.
قال ابن جرير: الوجه الذي أمر الله جلّ ذكره بغسله، كل ما انحدر عن منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولاً، وما بين الأذنين عرضًا، مما هو ظاهر لعين الناظر.
وقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، قال الشافعي: لم أعلم مخالفًا في المرافق فيما يغسل.
وقال ابن جرير: فأما المرفقان وما وراءهما، فإن ذلك من الندب.
وقال البغوي: قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، أي: مع المرافق، وأكثر العلماء على أنه يجب غسل المرفقين.
وقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} في الصحيحين عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه: (أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه) .
وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} ، أي: واغسلوا أرجلكم مع الكعبين. وعن ابن عباس أنه قرأها: فامسحوا برؤسكم وأرجلَكم بالنصب، وقال: عاد الأمر إلى الغسل. وعن ابن مسعود قال: خلّلوا الأصابع بالماء لا تخلّلها النار. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار» . رواه مسلم، زاد البيهقي:«وبطون الأقدام» . وعن حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائمًا ثم توضأ ومسح على خفيه) . متفق عليه.
وقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} ، أي: اغتسلوا.
وقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} فيه دليل على أن التيمم يكفي من لا يجد الماء عن الحدث الأصغر والأكبر، وكذلك المريض، إذا خاف الضرر من استعماله.
وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال مجاهد: {مِّنْ حَرَجٍ} من ضيق. وعن كعب بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يتوضأ فيغسل وجهه إلا خرجت خطاياه من وجهه وإذا غسل يديه أو ذراعيه خرجت خطاياه من ذراعيه، فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه، وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه» . رواه ابن جرير وغيره.
قوله عز وجل: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم
مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) } .
عن مجاهد: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} ، قال: بالنعم. وعن ابن عباس: قوله: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} الآية. يعني: حيث بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الكتاب فقالوا: آمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالكتاب.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ} ، أي: كونوا قوامين بالحق لله عز وجل، وكونوا {شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} ، أي: بالعدل لا بالجور. {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ} ، أي: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد صديقًا كان أو عدوًا.
وقوله تعالى: {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، أي: اعدلوا في أوليائكم وأعدائكم، فالعدل أقرب إلى التقوى من تركه.
وقوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ، أي: وعد الله المؤمنين الجنة ووقفهم لأعمالها، وأعدّ للكافرين النار بتكذيبهم وعتّوهم.
عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم على دية العامريّين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن فَمُرُوا رجلاً يظهر هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه، فقام عمرو بن جحاش بن كعب؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وانصرف عنهم، فأنزل الله عز ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الآية. والله أعلم.
* * *