المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثالث عشر بعد المائة ‌ ‌[سورة التوبة] مدنية، وهي مائة وتسع وعشرون - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٢

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس التاسع والستون

- ‌الدرس السبعون

- ‌الدرس الحادي والسبعون

- ‌الدرس الثاني والسبعون

- ‌الدرس الثالث والسبعون

- ‌الدرس الرابع والسبعون

- ‌الدرس الخامس والسبعون

- ‌الدرس السادس والسبعون

- ‌الدرس السابع والسبعون

- ‌الدرس الثامن والسبعون

- ‌الدرس التاسع والسبعون

- ‌الدرس الثمانون

- ‌الدرس الحادي والثمانون

- ‌الدرس الثاني والثمانون

- ‌الدرس الثالث والثمانون

- ‌الدرس الرابع والثمانون

- ‌[سورة الأنعام]

- ‌الدرس الخامس والثمانون

- ‌الدرس السادس والثمانون

- ‌الدرس السابع والثمانون

- ‌الدرس الثامن والثمانون

- ‌الدرس التاسع والثمانون

- ‌الدرس التسعون

- ‌الدرس الحادي والتسعون

- ‌الدرس الثاني والتسعون

- ‌الدرس الثالث والتسعون

- ‌الدرس الرابع والتسعون

- ‌الدرس الخامس والتسعون

- ‌[سورة الأعراف]

- ‌الدرس السادس والتسعون

- ‌الدرس السابع والتسعون

- ‌الدرس الثامن والتسعون

- ‌الدرس التاسع والتسعون

- ‌الدرس المائة

- ‌الدرس الواحد بعد المائة

- ‌الدرس الثاني بعد المائة

- ‌الدرس الثالث بعد المائة

- ‌الدرس الرابع بعد المائة

- ‌الدرس الخامس بعد المائة

- ‌الدرس السادس بعد المائة

- ‌الدرس السابع بعد المائة

- ‌الدرس الثامن بعد المائة

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌الدرس التاسع بعد المائة

- ‌الدرس العاشر بعد المائة

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائة

- ‌[سورة التوبة]

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائة

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائة

- ‌الدرس العشرون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة يونس عليه السلام]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة هود]

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة يوسف]

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة الرعد]

- ‌الدرس الأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة إبراهيم عليه السلام]

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائة

- ‌(سورة الحجر)

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة النحل]

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الإسراء]

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائة

الفصل: ‌ ‌الدرس الثالث عشر بعد المائة ‌ ‌[سورة التوبة] مدنية، وهي مائة وتسع وعشرون

‌الدرس الثالث عشر بعد المائة

[سورة التوبة]

مدنية، وهي مائة وتسع وعشرون آية

عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، وقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا أنزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآية في السورة الذي يذكر فيها كذا وكذا» . وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وخشيت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيّن لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال. رواه الترمذي وغيره.

ص: 317

{بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ

فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن

ص: 318

نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ

وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) } .

* * *

ص: 319

قوله عز وجل: {بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) } .

قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرًا على الحجّ من سنة تسع، ليقيم للناس حجّهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجّهم، فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين، ونزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم، أن لا يُصدّ عن البيت أحد جاءه، وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام؛ وكان ذلك عهدًا عامًا بينه وبين الناس من أهل الشرك وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص إلى أجل مسمى، فنزلت فيه وفيمن تخلّف عنه من المنافقين في تبوك

، وفي قول من قال منهم، فكشف الله فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، منهم من سمّي لنا ومنهم من لم يسمّ لنا، فقال:{بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} ، أي: لأهل العهد

ص: 320

العام من أهل المشركين من العرب {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} إلى قوله: {أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} ، أي: بعد هذه الحجّة.

وعن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجّة التي أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. قبل حجّة الوداع في رهط يؤذّنون في الناس يوم النحر: «ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» . قال الزهري: فكان حميد يقول: يوم النحر الأكبر. رواه ابن جرير وغيره.

وعن ابن إسحاق: {إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} ، أي: العهد الخاص إلى الأجل المسمى {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .

وعن مجاهد في قوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} : إنها الأربعة التي قال الله: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ} ، قال: هي الحرم من أجل أنهم أنظروا فيها حتى يسيحوها. وفي الحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى» . رواه مسلم.

قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْلَمُونَ (6) } .

قال ابن إسحاق: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ، أي: من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم، {فَأَجِرْهُ} ، قال مجاهد: إنسان يأتيك، فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك فهو آمن، حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء. قال السدي: كلام الله القرآن.

ص: 321

قوله عز وجل: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) } .

قال ابن كثير: يبيّن لك حكمته في البراءة من المشركين، ونظرته إياهم أربعة أشهر، ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا فقال تعالى:{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} ، أي: أمان، ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله كافرون به وبرسوله.

{إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، يعني: يوم الحديبية. قال ابن إسحاق: هم قبائل بني بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبية، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الديل من بكر، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكر إلى مدته، {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .

وقوله تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً} أي: كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم، أو لمن لا عهد له منهم عهد وذمة، وهم إن يظهرو عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة؟ قال ابن عباس: الإِلّ: القرابة، والذمة: العهد. وقال الشاعر:

ص: 322

أفسد الناس خلوف خلفوا

قطعوا الإِلّ وأعراق الرحم

وقوله تعالى: {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} ، أي: لا عهد لهم.

وقوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . قال ابن مسعود: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزكّ فلا صلاة له. وقال الربيع عن أنس مرفوعًا: «من فارق الدنيا على الإِخلاص لله وعبادته لا يشرك به، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راضٍ» . رواه البزار.

قوله عز وجل: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) } .

عن ابن عباس: قوله: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم} ، يعني: أهل العهد من المشركين،

ص: 323

سمّاهم: أئمة الكفر، وهم كذلك، يقول الله لنبيه: وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم، فقاتل {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} لأنهم لا أيمان لهم {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} .

وعن السدي: قوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} ، يقول: همّوا بإخراجه فأخرجوه، {وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} بالقتال. قال مجاهد: قتال قريش حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} ، قال السدي: خزاعة يشف صدورهم من بني بكر، {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} حين قتلهم بنو بكر وأعانهم قريش.

وقوله: {وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ} ، أي: فيهديه إلى الإِسلام، {وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . وقال ابن زيد في قوله:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ} إلى قوله: {وَلِيجَةً} ، قال: إني أتركهم دون التمحيص.

قال البغوي: {وَلِيجَةً} بطانة وأولياء يوالونهم ويفيضون إليهم أسرارهم. والله أعلم.

* * *

ص: 324