الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والخمسون بعد المائة
قوله عز وجل {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَاّ كُفُوراً (89) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلَاّ بَشَراً رَّسُولاً (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلَاّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَّسُولاً (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً (95) قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً (97) ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَاّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلَاّ كُفُوراً (99) قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً (100) وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى
مَسْحُوراً (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلَاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً (102) فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً (104) وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) } .
* * *
قال البغوي: قوله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} ، من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد وغيرها.
{فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَاّ كُفُوراً} .
قال ابن كثير: أي: جحودًا للحق وردًا للصواب.
وقوله تعالى: {وَقَالُواْ} ، أي: مشركو قريش، {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدّقك، {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} ، قال قتادة: عيونًا.
وقوله: {كِسَفاً} ، قال: قطعًا. {أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً} نعاميهم معاينة.
وعن ابن عباس: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} ، يقول: من ذهب، وعنه: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، وأبا البختري بن هشام، والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن
الأسود، والوليد بن
المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهًا ومنبّهًا ابني الحجّاج اجتمعوا، ومن اجتمع معهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا وهو يظنّ أنه بدا لهم في أمره بدء، وكان عليهم حريصًا يحبّ رشدهم، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بينك وبيننا، فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الأمر الذي بك رئي تراه حتى قد غلب عليك لا تستطيع ردّه، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، وكانوا يسمّون التابع من الجن الرئي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف عليكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلّغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة،
وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني
وبينكم» ، فقالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد أضيق منا بلادًا ولا أشدّ منا عيشًا، فسل لنا ربك الذي بعثك فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيّقت علينا ويبسط لنا بلادنا، ويفجر فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدّقوك صدّقناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما بهذا بعثت فقد بلّغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه علي أصبر لأمر الله» . قالوا: فإن لم تفعل هذا، فسل ربك أن يبعث لنا مَلَكًا يصدّقك، وسله أن يجعل لك جنانًا وقصورًا وكنوزًا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه. فقال:«ما بعثت بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا» . قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك لو شاء فعل، فقال:«ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم» ، وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك أمورًا، يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم سألوك أن تجعل لهما ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل، فوالله لا أؤمن لك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول، وأيم
الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدّقك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينًا لِمَا رأى فأنزل الله عز وجل: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} الآيات.
وقوله تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلَاّ بَشَراً رَّسُولاً} ، أي: وليس ما سألتم في طوق البشر.
قوله عز وجل: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلَاّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَّسُولاً (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً (95) قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً (97) ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ
كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَاّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلَاّ كُفُوراً (99) قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً (100) } .
قال البغوي: {مُطْمَئِنِّينَ} ، مستوطنين مقيمين، {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} ، أني رسوله إليكم.
وقوله تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ} ، قال ابن عباس: سكنت. أي: سكن لهيبها. وفي الصحيحين عن أنس قال: قيل: يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال: «الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» .
وقوله تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} قال قتادة: أي: خشية الفاقة {وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً} ، قال: بخيلاً ممسكًا.
عن ابن عباس: قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ، قل: يد موسى وعصاه، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، ونقص من الثمرات.
وروي عن الحسن: {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} . قال: سؤالك إياهم نظرك في القرآن.
وقال البغوي: {فَاسْأَلْ} يا محمد، {بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ} موسى، يجوز أن يكون الخطاب معه والمراد غيره، ويجوز أن يكون خاطبه عليه السلام وأمره السؤال، ليتبيّن كذبهم مع قومهم.
وقال في جامع البيان: {فَاسْأَلْ} ، يا محمد، {بَنِي إِسْرَائِيلَ} ، عن الآيات ليطمئنّ قلبك ويظهر للمشركين صدقك.
وقال بعض المفسرين: والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان لأن الأدلّة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت، والمسؤلون مؤمنو بني إسرائيل.
وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَّؤُلاء إِلَاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} .
قال ابن كثير: أي: حججًا وأدلّة على صدق ما جئتك به، {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً} ، أي: هالكًا.
وقوله تعالى: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم} ، أي: يخرجهم، {مِّنَ الأَرْضِ} يعني: أرض مصر، {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} . قال قتادة: أي: جميعًا أوّلكم وآخركم.
قوله عز وجل: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً
(106)
قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) } .
عن ابن عباس: قوله: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} يقول: فصّلناه. وعن قتادة: قوله: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} . قال: لم ينزل في ليلة ولا ليلتين ولا سنة ولا سنتين، ولكن كان بين أوله وآخره عشرون سنة وما شاء الله.
وقوله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ} .
قال البغوي: هذا على طريق الوعيد والتهديد، {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ} .
قال ابن كثير: أي: من صالحي أهل الكتاب الذين تمسّكوا بكتابهم ولم يبدّلوه، {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً} ، قال ابن عباس:
…
{لِلأَذْقَانِ} ، للوجوه، {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} .
قال في جامع البيان: إنه {كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا} ، في الكتب السالفة بإرسال رسول خاتم الرسل، {لَمَفْعُولاً} ، واقعًا كائنًا.
عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا يدعو: «يا رحمن يا رحيم» فقال المشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدًا وهو يدعو مثنى، فأنزل الله تعالى:{قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الآية. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا كلهنّ في القرآن، من أحصاهن دخل الجنة» . رواه ابن جرير.
وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} . قال: (كانوا يجهرون بالدعاء، فلما نزلت هذه الآية أمروا أن لا يجهروا ولا يخافتوا) . وعن عائشة قالت: (نزلت في الدعاء) . وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: (نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} . قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن وسبّوا من أنزله ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} ، أي: بقراءتك فيسمع المشركون فيسبّون القرآن، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ،
عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} ) .
وعن القرظي في هذه الآية: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية. قال: إن اليهود والنصارى قالوا: اتخذ الله ولدًا، وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذلّ، فأنزل الله هذه الآية:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} . والله الموفق.
ــ
انتهى الجزء الثاني بحمد الله،
ويليه الجزء الثالث
ــ