المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٢

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس التاسع والستون

- ‌الدرس السبعون

- ‌الدرس الحادي والسبعون

- ‌الدرس الثاني والسبعون

- ‌الدرس الثالث والسبعون

- ‌الدرس الرابع والسبعون

- ‌الدرس الخامس والسبعون

- ‌الدرس السادس والسبعون

- ‌الدرس السابع والسبعون

- ‌الدرس الثامن والسبعون

- ‌الدرس التاسع والسبعون

- ‌الدرس الثمانون

- ‌الدرس الحادي والثمانون

- ‌الدرس الثاني والثمانون

- ‌الدرس الثالث والثمانون

- ‌الدرس الرابع والثمانون

- ‌[سورة الأنعام]

- ‌الدرس الخامس والثمانون

- ‌الدرس السادس والثمانون

- ‌الدرس السابع والثمانون

- ‌الدرس الثامن والثمانون

- ‌الدرس التاسع والثمانون

- ‌الدرس التسعون

- ‌الدرس الحادي والتسعون

- ‌الدرس الثاني والتسعون

- ‌الدرس الثالث والتسعون

- ‌الدرس الرابع والتسعون

- ‌الدرس الخامس والتسعون

- ‌[سورة الأعراف]

- ‌الدرس السادس والتسعون

- ‌الدرس السابع والتسعون

- ‌الدرس الثامن والتسعون

- ‌الدرس التاسع والتسعون

- ‌الدرس المائة

- ‌الدرس الواحد بعد المائة

- ‌الدرس الثاني بعد المائة

- ‌الدرس الثالث بعد المائة

- ‌الدرس الرابع بعد المائة

- ‌الدرس الخامس بعد المائة

- ‌الدرس السادس بعد المائة

- ‌الدرس السابع بعد المائة

- ‌الدرس الثامن بعد المائة

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌الدرس التاسع بعد المائة

- ‌الدرس العاشر بعد المائة

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائة

- ‌[سورة التوبة]

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائة

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائة

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائة

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائة

- ‌الدرس العشرون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة يونس عليه السلام]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائة

- ‌[سورة هود]

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة يوسف]

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائة

- ‌[سورة الرعد]

- ‌الدرس الأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الواحد والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة إبراهيم عليه السلام]

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائة

- ‌(سورة الحجر)

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائة

- ‌[سورة النحل]

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائة

- ‌الدرس الخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الإسراء]

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائة

الفصل: ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة

‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائة

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَاّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ

ص: 388

السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25) لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَاّ يَهِدِّيَ إِلَاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)

وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) } .

* * *

ص: 389

قوله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَاّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) } .

ينكر تعالى على المشركين عبادتهم غيره من الأصنام والأوثان، {مَا لَا يَضُرُّهُمْ} إن تركوا عبادته {وَلَا يَنفَعُهُمْ} إن عبدوه، {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ} أتخبرون {اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ} .

قال البغوي: ومعنى الآية أتخبرون الله أن له شريكًا، وعنده شفيعًا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكًا في السماوات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عما يشركون. وقال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام، ثم وقع الاختلاف بين الناس، فبعث لله الرسل مبشرين ومنذرين.

وقوله تعالى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} ، أي: بأن جعل لكل أمة أجلاً معينًا {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} عاجلاً فيما فيه يختلفون، {وَيَقُولُونَ} ، أي: مشركوا أهل مكة {لَوْلَا} ، أي: هلا {أُنزِلَ عَلَيْهِ} ، أي: على

محمد {آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} على ما يقترحونه كقولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} ونحو ذلك، {فَقُلْ

ص: 390

إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ} ، أي: ما تطلبونه غيب، وهو القادر عليه، {فَانْتَظِرُواْ} قضاء الله بيني وبينكم، {إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} .

قوله عز وجل: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) } .

عن مجاهد: إذا لهم مكر في آياتنا قال: استهزاء وتكذيب.

وقال البغوي: {قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً} ، أي: أعجل عقوبة، وأشد أخذًا، وأقدر على الجزاء.

وقال ابن كثير: أي: أشد استدراجًا وإمهالاً، حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ثم يؤخذ على غرة منه. انتهى. وهذا كقوله تعالى:

{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} .

وعن قتادة في قوله: {دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ، قال إذا مسهم الضر في البحر أخلصوا له الدعاء.

ص: 391

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .

قال البغوي: ومعناه إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا لا يصلح زادًا لمعادكم لأنكم تستوجبون به غضب الله. وقرأ حفص متاع: بالنصب. أي: تتمتعون متاع الحياة الدنيا.

قوله عز وجل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25) لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ

وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) } .

عن ابن عباس: قوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} ، قال: اختلط فنبت بالماء كل لون، {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ} : كالحنطة، والشعير وسائر حبوب الأرض، والبقول، والثمار، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي.

وعن قتادة: قوله: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} الآية، أي: والله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها لتوشك الدنيا أن تلفظه.

وقوله: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} .

ص: 392

قال ابن جرير: يقول: كأن لم تكن تلك الزروع والنبات ثابتة قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس.

وعن قتادة في قوله: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} ، قال: الله هو السلام، وداره الجنة. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا بجنتيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس هلمّوا إلى ربكم، إنّ ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى» . وأنزل ذلك في القرآن في قوله: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. وعن أبي بكر الصديق:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قال: (النظر

إلى وجه الله تعالى) . وعن أبيّ بن كعب: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قال:«الحسنى: الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله» . رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. وعن ابن

ص: 393

عباس قوله: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} ، قال: سواد الوجوه.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} ، كقوله تعالى:{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . وعن ابن عباس: قوله: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} ، قال: تغشاهم ذلّة وشدة.

قوله عز وجل: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى

تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَاّ يَهِدِّيَ إِلَاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) } .

ص: 394

قال البغوي: (قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ} ، أي: الزموا مكانكم، {أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ} ، يعني: الأوثان، معناه: ثم نقول للذين أشركوا: الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ولا تبرحوا. {فَزَيَّلْنَا} : ميزنا وفرقنا بينهم. أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرّأ كل معبود من دون الله ممن عبده) . انتهى.

وقال مجاهد: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} ، قال: يقول: ذلك كل شيء كان يعبد من دون الله.

قلت: وهذا كقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ، وكقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم

مُّؤْمِنُونَ} .

وعن مجاهد: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} ، قال: تختبر. وقال ابن زيد في قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ، قال: ما كانوا يدعون معه من الأنداد والآلهة.

وقال البغوي: (قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} ، أي: من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ} ، أي: من أعطاكم السمع والأبصار، {وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ} يخرج الحيّ من النطفة والنطفة من الحيّ {وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ، أي: يقضي الأمر،

ص: 395

{فَسَيَقُولُونَ اللهُ} هو الذي يفعل هذه الأشياء، {فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ {فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ} الذي يفعل هذه الأشياء هو {رَبُّكُمُ الْحَقُّ} ،

{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} ، أي: فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرّون به {كَذَلِكَ} ؟ قال الكلبي: هكذا {حَقَّتْ} وجبت، {كَلِمَتُ رَبِّكَ} حكمه السابق {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ} كفروا، {أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم} أوثانكم، {مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ} ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال، {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ثم يحييه من بعد الموت كهيئته؟ فإن أجابوك، وإلا فقل أنت:{اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ، أي: تصرفون عن قصد السبيل؟ {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي} يرشد إلى الحق؟ فإذا قالوا: لا، ولا بدّ لهم من ذلك، {قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} ، أي: إلى الحق، {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى

الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَاّ يَهِدِّيَ إِلَاّ أَن يُهْدَى} معنى الآية: الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهدي {إِلَاّ أَن يُهْدَى} ، أي: لا ينتقل من مكان إلى مكان إلا أن يحمل) . انتهى ملخصًا.

قال ابن كثير: وقوله: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ، أي: فما بالكم؟ أين يُذهب بعقولكم؟ كيف سوّيتم بين الله وبين خلقه، وعدلتم هذا بهذا، وعبدتم هذا وهذا؟ وهلاّ أفردتم الربّ جل جلاله، المالك الحاكم الهادي من الضلالة، بالعبادة وحده وأخلصتم له الدعوة والإنابة؟ ثم بيّن تعالى أنهم لا يتبعون في دينهم هذا دليلاً ولا برهانًا، وإنما هو ظن منهم، أي: توّهم وتخيّل، وذلك لا يغني عنهم شيئًا، {إِنَّ اللهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} . تهديد لهم ووعيد شديد لأنه تعالى أخبر أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء. والله أعلم.

* * *

ص: 396