الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والثلاثون بعد المائة
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلَا بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) } .
* * *
عن قتادة في قوله: {إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ} قال: يعني: خير الدنيا وزينتها.
وقوله: {وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.
وقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} .
قال ابن جرير: يقول: ولا تسيروا في الأرض تعلمون فيها بمعاصي الله. وعن مجاهد: {بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ} ، قال: طاعة الله خير لكم. وقال ابن عباس: بقية الله رزقًا، يعني: ما أبقي لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير مما تأخذون بالتطفيف. {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} ؟ قال ابن عباس: كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} ، قال:
أرادوا: السفيه الغاوي. والعرب تصف الشيء بضده وقال ابن جرير: يستهزئون.
قوله عز وجل: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي
مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) } .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: {قَالَ} شعيب لقومه: يا قوم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال، {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} ، يعني: حلالاً طيبًا. وعن قتادة: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} لم أكن لأنهاكم من أمر أركبه أو آتيه، {إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ} ، يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم، {مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ، قال مجاهد: أرجع.
وعن قتادة: قوله: {لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} ، يقول: لا يحملنكم فراقي، {أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} الآية. وقال ابن جريج: عداوتي وبغضائي وفراقي.
وقوله: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} ، أي: في الزمان والمكان.
وقوله: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} .
قال ابن كثير: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} من سالف الذنوب، {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة، {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} ، أي: لمن تاب.
قوله عز وجل: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ
فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) } .
عن سعيد بن جبير: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} ، قال: كان ضرير البصر. قال سفيان: وكان يقال له: خطيب الأنبياء.
وقال ابن زيد في قوله: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} لولا أن نتّقي قومك ورهطك لرجمناك.
وعن ابن عباس: قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً} ؟ قال: قَفَا وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعزّ عليهم من الله، وصغر شأن الله عندهم، عزّ ربنا وجلّ ثناؤه. وعن مجاهد:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً} ، قال: نبذتم أمره.
قال ابن كثير: لما يئس نبيّ الله شعيب من استجابتهم له قال: يا قوم اعملوا على مكانتكم، أي: طريقتكم، وهذا تهديد شديد، إني عامل على طريقتي سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب مني ومنكم، وارتقبوا، أي: انتظروا، إني معكم رقيب.
قال السدي: إن الله بعث شعيبًا إلى مدين، وإلى أصحاب الأيكة، وهي الغيضة من الشجر، وكانوا مع كفرهم يبخسون الكيل والميزان، فدعاهم فكذّبوه
فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، وما ردّوا عليه. فلما عتوا وكذّبوه سألوه العذاب، ففتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنّم فأهلكهم الحر منه، فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء، ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيّبة، فوجدوا برد الريح وطيبها، فتنادوا: الظُّلّة عليكم بها، فلما اجتمعوا تحت السحابة
رجالهم ونساؤهم وصبيانهم انطبقت عليهم فأهلكتهم فهو قوله: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} .
قال ابن كثير: وقوله: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} ، أي: يعيشوا في دارهم قبل ذلك {أَلَا بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} وكانوا جيرانهم قريبًا منهم في الدار، وشبيهًا بهم في الكفر وقطع الطريق، وكانوا عربًا مثلهم.
وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: ألا أبعد الله مدين من رحمته، بإحلال نقمته بهم كما بعدت ثمود. والله أعلم.
* * *