الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والثمانون
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85)
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً
وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) } .
* * *
قال ابن إسحاق: آزر أبو إبراهيم. وكان - فيما ذكر لنا والله أعلم - رجلاً من أهل كُوَثى من قرية بالسواد، سواد الكوفة. وعن ابن عباس: قوله: {نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ، أي: خلق السماوات والأرض.
قال البغوي: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ} ، أي: كما أريناه البصيرة في دينه، والحق في خلاف قومه، كذلك نريه ملكوت السماوات والأرض. قال مجاهد: تفرجت لإِبراهيم السماوات السبع حتى العرش فنظر فيهنّ، وتفرجت الأرض السبع فنظر فيهنّ.
وعن قتادة: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} ، علم أن ربه دائم لا يزول، فقرأ حتى بلغ:
{هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} ، رأى خلقًا هو أكبر من الخلقين الأولين وأنور.
وقال ابن إسحاق: قال ذلك إبراهيم حين خرج من السرب الذي ولدته أمه فيه حين تخوّفت عليه من نمرود بن كنعان.
قال ابن كثير: والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظرًا لقومه، مبيّنًا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام.
وقال الشيخ ابن سعدي: (والمناظرة تخالف غيرها في أمور كثيرة منها أن المناظر يقول الشيء الذي لا يعتقده ليبني عليه حجته، وليقيم الحجة على خصمه، كما قال في تكسيره الأصنام لما قالوا له: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فأشار إلى الصنم الذي لم يكسره فقال: بل فعله كبيرهم هذا، ومعلوم أن غرضه إلزامهم بالحجة وقد حصلت فهذا يسهّل علينا فهم معنى قوله: {هَذَا رَبِّي} ، أي: إن كان يستحق الإلهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي، مع أنه يعلم العلم اليقيني أنه لا يستحق من الربوبية والإِلهية مثقال ذرة، ولكن أراد أن يلزمهم بالحجة) . انتهى.
قوله عز وجل: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَاّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(81)
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) } .
عن ابن جريج: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ} . قال: دعا قومه مع الله إلهًا، وخوّفوه بآلهتهم أن يصيبه منها خبل، فقال إبراهيم:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ} ؟ قال: قد عرفت ربّي لا أخاف ما تشركون به، {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أمن يعبد ربًا واحدًا أم من يعبد أربابًا كثيرة؟
قال ابن إسحاق: يقول الله تعالى ذكره: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم} ، أي: الذين أخلصوا كإخلاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لعبادة الله توحيده، {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} ، أي: شرك، {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأمن من العذاب، والهدى في الحجة بالمعرفة والاستقامة. يقول الله تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} .
قوله عز وجل: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) } .
قال البغوي: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا} وفّقنا وأرشدنا. {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} ، أي: من قبل إبراهيم، {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ} ، أي: من ذرية نوح عليه السلام، لأنه ذكر في جملتهم يونس ولوطًا ولم يكونا من ذرية إبراهيم.
قال ابن كثير: إذا أوصى الرجل لذريته أو وقف على ذريته أو وهبهم، دخل أولاد البنات فيهم.
وعن مجاهد في قول الله تعالى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ} ، قال: أخلصناهم.
وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} ، يعني: الفهم والنبوة. {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء} ، يعني: أهل مكة، {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} ، قال في (جامع البيان) : يعني:
المهاجرين والأنصار ومن تبعهم إلى يوم القيامة. وقال قتادة: يعني: النبيين، واختاره ابن جرير. {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} . وعن مجاهد: أنه سأل ابن عباس: (أفي (ص) سجدة؟ فقال نعم، ثم تلا:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} إلى قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، ثم قال: هو منهم) . رواه البخاري.
وقوله تعالى: {قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} ، أي: لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجره {إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} كقوله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} . والله أعلم.
* * *