الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والثلاثون بعد المائة
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَاّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) } .
* * *
قال ابن إسحاق: وخرجوا إلى مصر راجعين إليها {بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} أي: قليلة لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلَاّ أن يتجاوز لهم فيه، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابع البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ} رجاء أن يرحمهم في شأن أخيهم، {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} قال ابن عباس:[رثة المتاع] : خلق الحبل، والغرارة، والشيء وقال الضحاك: كاسدة لا تنفق.
{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} ، قال ابن إسحاق: أي: أعطنا ما كنت تعطينا قبل فإن بضاعتنا مزجاة، {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} ، قال السدي: تفضل علينا. وعن سعيد بن جبير: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} لا تنقصنا من السعر من أجل ردي دراهمنا، {إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} ، قال ابن
إسحاق: وذكر لي أنهم لما كلّموه بهذا الكلام
غلبته نفسه فارفض دمعه باكيًا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال {هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه فيه حين أخذه ولكن للتفريق بينه وبين أخيه، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.
قال البغوي: {إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} بما يؤول إليه أمر يوسف.
وقال ابن كثير: أي: إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} الآية.
قال ابن إسحاق: لما قال لهم ذلك كشف الغطاء، فعرفوه، فقالوا:{أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، وقال السدي: لما قال لهم ذلك اعتذروا إليه و {قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} فيما كنا صنعنا بك.
وعن ابن إسحاق: {قَالَ لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} ، أي: لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم، {يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} حين اعترفوا بذنوبهم وعن السدي: قال لهم يوسف: ما فعل أبي؟ قالوا: لما فاته بنيامين عمي من الحزن قال: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} .
قوله عز وجل: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا
…
كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) } .
عن ابن عباس في قوله: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} ، قال: هاجت ريح فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليال، فقال:{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ} ، قال تسفّهون،
…
{قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} ، يقول: خطئك القديم. قال سفيان: من حبّك ليوسف.
قال ابن إسحاق: {فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ} ألقى القميص عَلَى وَجْهِهِ {فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، قال ابن جريج: أخر ذلك إلى السحر.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ
أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) } .
قال السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم، فلما بلغوا مصر كلّم يوسف الملك الذي فوقه فخرج هو والملوك يتلّقونهم، فلما بلغوا مصر قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} . قال حجاج: بلغني أن يوسف والملك خرجًا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه: وعن ابن إسحاق: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} ، قال: أباه وأمه. وعن مجاهد: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} ، قال: السرير، {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً} ، قال ابن إسحاق: وقعوا له سجودًا وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان، أبوه وأمه وإخوته. وعن سلمان
الفارسي قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة. وقال ابن مسعود: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنسانًا، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف.
وعن قتادة: قوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} لطف ليوسف وصنع له، حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان، وتحريشه على إخوته.
وقال قتادة: لما جُمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربه فقال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . وقال ابن إسحاق: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته، حين جمع الله شمله وردّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} إلى قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ، ثم ارعوى يوسف وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
قوله عز وجل: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)
أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) } .
عن قتادة: قوله: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} ، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب، {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} ، أي: بيوسف.
وعن قتادة أيضًا في قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} قال: تسألهم: من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره.
وقال ابن زيد في قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} قال: {هَذِهِ سَبِيلِي} هذا أمري، وسنّتي، ومنهاجي {أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} قال: وحق والله على ما اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهي عن معاصي الله.
قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَاّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي
الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) } .
عن قتادة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَاّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العمود. وعن ابن عباس:
…
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} أيس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. وعن قتادة:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} ، قال: من قومهم، {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} ، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا {جَاءهُمْ نَصْرُنَا} .
قال ابن كثير: يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال، وانتظار الفرج من الله، في أحوج الأوقات إلى
ذلك، كقوله تعالى:{وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ} الآية.
وقوله تعالى: {فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء} .
قال البغوي: قرأ العامة: بِنُونَيْنِ، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم: بِنُونِ واحدة مضمومة. وعن ابن عباس: فَنُنجِّيَ مَن نشَاء: فَنُنجِّيَ الرسل مَن نشَاء {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل، فدعوا قومهم وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصا عذّب وغوى.
وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} .
قال ابن كثير: يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين، {لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَلْبَابِ} وهو العقول.
وقوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} ، قال قتادة: والفرية الكذب، {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها {وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
وقال البغوي في قوله تعالى: {وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ} مما يحتاج العباد إليه من الحلال والحرام، والأمر والنهي. والله أعلم.
* * *