الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني والسبعون
[المائدة]
مدنية، وهي مائة وعشرون آية
…
عن عبد الله بن عمرو قال: (آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح) . رواه الترمذي. يعني: إذا جاء نصر الله والفتح. روى الحاكم عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: (يا جبير تقرأ المائدة؟) فقلت: نعم. فقالت: (أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه، وما وجدتم من حرام فحرّموه) .
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن
صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن
تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) } .
* * *
عن ابن عباس: قوله: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} ، يعني: بالعهود. وعن مجاهد: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} ما عقد الله على العباد مما أحل لهم، وحرّم عليهم. وقال عبد الله بن عبيدة: العقود خمس: عقدة الإِيمان، وعقدة النكاح، وعقدة العهد، وعقدة البيع، وعقدة الحلف.
وقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} ، قال الحسن: من الإبل، والبقر، والغنم. وعن ابن عباس: أن بقرة نُحرت فوُجد في بطنها جنين، فأخذ ابن عباس بذنب الجنين فقال: هذا من بهيمة الأنعام التي أحلّت لكم.
وقوله تعالى: {إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، قال قتادة: إلا الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه. وعن ابن عباس:{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، هي: الميتة، والدم، ولحم الخنزير ما أهل لغير الله به. وقال مجاهد: إلا الميتة وما ذكر معها.
وقوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} .
قال البغوي: معنى الآية: أحلّت لكم بهيمة الأنعام كلّها إلا ما كان منها وحشيًّا، فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإِحرام.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ} ، قال ابن عباس: كان المشركون يحجّون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظّمون حرمة المشاعر، ويتّجرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يُغيروا عليهم، فقال الله عز وجل:{لَا تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ} وسئل عطاء عن شعائر الله فقال: حرمات الله: اجتناب سخط الله وإتباع طاعته، فذلك شعائر الله. وقال ابن عباس: مناسك الحج.
وقوله تعالى: {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} ، قال ابن عباس: يعني: لا تستحلوا قتالاً فيه. قال قتادة: كان الشرك يومئذٍ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، ولا عند البيت.
وقوله تعالى: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلآئِدَ} ، أي: لا تتعرضوا للهدايا المقلّدات وغير المقلّدات. وقال قتادة: كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، يقلّد من الشعر فلم يعرض له أحد، فإذا رجع يقلّد قلادة فلم يعرض له أحد.
وقوله تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} ، قال ابن جريج: ينهى عن الحجاج أن تقطع سبلهم. وقال ابن عباس:
نهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدًا أن يحج البيت، أو يعرضوا له من مؤمن وكافر، ثم أنزل الله بعد هذا:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .
وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} ، قال مجاهد: هي رخصة.
وقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ} ، قال قتادة: أي: لا يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا.
قال ابن كثير: أي: لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصّوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد.
وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، قال ابن عباس: البرّ ما أمرت به، والتقوى ما نهيت عنه.
قوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) } .
قال ابن كثير: قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ِ} ، أي: ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام، لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته
…
على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك وذكر اسم غيره من صنم، أو طاغوت، أو وثن، أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فإنها حرام بالإجماع. وقال ابن عباس: المنخنقة: التي تختنق فتموت؛ وقال قتادة: هي التي تموت في خناقها، وقال أيضًا: كان أهل
الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها. والموقوذة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها. وقال السدي: المتردية هي التي تردّى من الجبل أو البئر فتموت. والنطحية: التي تنطحها البقر والغنم فتموت، يقول: هذا حرام لأن ناسًا من العرب كانوا يأكلونه. وعن ابن عباس: وما أكل السبع يقول: وما أخذ السبع. قال قتادة: كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع سيئًا من هذا أو أكل منه أكلوا ما بقي.
وقوله تعالى: {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} ، قال ابن عباس: يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله يتحرك له ذنب، أو تطرف له عين، فاذبح، واذكر الله عليه، فهو حلال.
وقوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ، قال قتادة: والنصب حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها ويذبحون لها فنهى الله عن ذلك.
قال ابن كثير: فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى لو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.
وقوله تعالى: {وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ} ، قال الحسن: كانوا إذا أرادوا أمرًا أو سفرًا يعمدون إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب: أؤمرني، وعلى الآخر: انهني، ويتركون الآخر محلّلاً بينهما ليس عليه شيء، ثم يحلّونها فإن خرج الذي عليه: أؤمرني، مضوا لأمرهم، وإن خرج الذي عليه: انهني، كفّوا وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها.
وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ، قال ابن عباس: يعنى: من أكل من ذلك كله فهو فسق.
وقال ابن كثير: {وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ، أي: تعاطيه فسق وغيّ وضلالة وجهالة وشرك، وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه.
وقوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} ، قال مجاهد:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} ،
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} : هذا حين فعلت. وقال ابن زيد في قوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} ، قال: هذا يوم عرفة. وقال ابن عباس: يعني: أن ترجعوا إلى دينهم أبدًا.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون المراد أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميّز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله.
وقال ابن جريج: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم، {وَاخْشَوْنِ} . قال ابن جرير يقول: ولكن خافون إن أنتم خالفتم أمري، واجترأتم على معصيتي، وتعدّيتم حدودي، أن أحلّ بكم عقابي وأنزل بكم عذابي.
وعن ابن عباس: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، وهو: الإسلام، قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدًا. وعن هارون بن عنترة عن أبيه: قال لما نزلت:
…
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وذلك يوم الحج الأكبر، بكي عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ما يبكيك» ؟ قال: أبكاني أنَّا كنا في زيادة من
ديننا، فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلَاّ نقص، فقال:«صدقت» . وعن قتادة: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم الجمعة، حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام وأخلص للمسلمين حجهم.
قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، قال ابن عباس:{فِي مَخْمَصَةٍ} ، يعني: في مجاعة. وقال مجاهد {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لّإِثْمٍ} غير متعمد لإثم، وقال السدي: يقول: غير متعرض لإِثم، أي: يبتغي فيه شهوة أو يتعدّى في أكله. وعن أبي واقد الليثي قال قلنا: يا رسول الله إنا بأرض يصيبنا فيها مخمصة، فما يصلح لنا من الميتة؟ قال:«إذا لم تصطبحوا، أو تغتبقوا، أو تحتفتوا بقلاً فشأنكم بها» . رواه ابن جرير.
روى ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين أنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله قد حرّم الله الميتة فماذا يحلّ لنا منها؟ فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} .
وعن الحسن في قوله: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} ، قال: كل ما علم فصاد من كلب أو صقر أو فهد أو غيره.
قال ابن جرير: فقوله: {مُكَلِّبِينَ} صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه.
وقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} .
قال البغوي: {تُعَلِّمُونَهُنَّ} تؤدبوهن آداب أخذ الصيد، {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} ، أي: من العلم الذي علمكم الله. قال ابن عباس: إن المُعَلَّم من الكلاب: أن يمسك صيده، فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه، فيدرك ذكاته فلا يأكل من صيده. وقال طاوس: إذا أكل الكلب فهو ميتة فلا تأكل. وقال إبراهيم: إذا أكل البازي، والصقر من الصيد فكل، فإنه لا يعلّم. وروى ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحلّ لنا منها؟ قال: «يحلّ لكم ما علّمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علّمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه» . ثم قال:
…
«ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه، فكُلْ مما أمسك عليك» . قلت: وإن قتل؟ قال: «وإن قتل، ما لم يأكل» ، قلت: يا رسول الله وإن خالطت كلابنا كلابًا غيرها؟ قال: «فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك» ، قال: قلت: إنا قوم نرمي فما يحل لنا؟ قال: «ما ذكرت اسم الله عليه وخزفت فكل» .
قال ابن كثير: اشترط في الكلب أن لا يأكل، ولم يشترط ذلك في البزاة فدل على التفرقة بينهما في الحكم والله أعلم.
وقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ، قال قتادة: إذا أرسلت كلبك المعلّم، أو طيرك، أو سهمك، فذكرت اسم الله فأخذ، أو قتل، فكل. وقال
الضحاك: إذا أرسلت كلبك المعلّم فذكرت اسم الله حين ترسله، فأمسك، أو قتل هو حلال، فإذا أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه. وقال ابن عباس: إذا أرسلت جوارحك فقل: بسم الله إن نسيت فلا حرج.
قال ابن جرير: يعني جل ثناؤه بقوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} : اليوم أحل لكم أيها المؤمنون الحلال من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.
وعن مجاهد: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} ، قال: الذبائح. وقال الضحاك: أحلّ الله لنا طعامهم ونساءهم. وعن الشعبي أنه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وقرأ:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} .
وقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ} ، عن مجاهد:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} ، قال: الحرائر. وقال الشعبي: إحصان اليهودية والنصرانية أن لا تزني وتغتسل من الجنابة. وعن ابن عباس: قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}
، يعني: ينكحوهن بالمهر والبيّنة {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} متعالين بالزنا، {وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} ، يعني: يسرّون بالزنا. وسئل الحسن: أيتزوج رجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ماله ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات؟ فإن كان لا بد فاعلاً فليعمد إليها حصانًا غير مسافحة. وعن عطاء: أن الرخصة كانت مختصةً بذلك الوقت؛ لأنه كان في المسلمات قلّة، وكان عمر لا يرى نكاح الكتابيات أصلاً متمسكًا بقوله تعالى:{وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} .
قلت: وأكثر اليهود والنصارى في هذا الوقت دهرية، ولا يتمسكون بكتاب.
وقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، قال عطاء: الإِيمان: التوحيد. والله أعلم.
* * *