الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني والخمسون بعد المائة
{لَاّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً (31) وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (33) وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلَا تَقْفُ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ
مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ نُفُوراً (41) قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَاّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) } .
* * *
عن قتادة: قوله: {لَاّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} يقول: {مَذْمُوماً} في نعمة الله، وهذا الكلام وإن كان خرج على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو معنيّ به جميع من لزمه من عباد الله جل وعزّ.
وعن ابن عباس: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ} ، يقول: أمر. وقال مجاهد: وأوصى ربك {أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} ، حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول، كما كانا يميطان عنك صغيرًا ولا تؤذهما. وعن عطاء بن أبي رباح في قوله:{فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} قال: لا تنفض يدك على والديك، {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} . قال ابن جريج: أحسن ما تجد من القول، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} . قال عروة بن الزبير: هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبّاه. وعن قتادة:
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} هكذا عُلّمتم وبهذا أُمرتم، خذوا تعليم الله وأدبه.
وعن سعيد بن جبير: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} . قال: البادرة تكون من
الرجل إلى أبويه، لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به، فقال:{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} . وقال سعيد بن المسيب: الأوّاب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال سعيد بن جبير وغيره: هم الراجعون إلى الخير.
عن ابن عباس: قوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} قال: هو أن تصل ذا القربة والمسكين وتحسن إلى ابن السبيل، {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} . قال: المبذّر المنفق في غير حق. وقال ابن زيد في قوله: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ} إن المنفقين في معاصي الله، {كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} .
وعن إبراهيم: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} ، قال: انتظار الرزق، {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} ، قال: ليّنًا تعدهم.
وعن الحسن في قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} ، قال: لا تجعلها مغلولة عن النفقة، {وَلَا تَبْسُطْهَا} تبذّر بسرف، {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} ، قال ابن عباس:{فَتَقْعُدَ مَلُوماً} ، يقول: يلوم نفسه على ما فات من ماله، {مَّحْسُوراً} ، يعني: ذهب ماله كله فهو محسور. وقال قتادة: {فَتَقْعُدَ مَلُوماً} في عباد الله، {مَّحْسُوراً} ، يقول: نادمًا على ما فرط منك.
وقال ابن زيد: ثم أخبرنا تبارك وتعالى كيف يصنع فقال: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ، قال: يقدر: يقلّ، وكل شيء في القرآن يقدر كذلك، ثم أخبر عباده أنه لا يرزؤه ولا يؤوده أن لو بسط عليهم، ولكن نظرًا لهم منه فقال:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} .
عن قتادة: قوله: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} ، أي: خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله فقال:{نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً} ، قال ابن جرير: إي: إثمًا وخطيئة.
وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره وقضى أيضًا أن: {لَا تَقْرَبُواْ} أيها الناس {الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} ، يقول: إن الزنا كان فاحشة، {وَسَاء سَبِيلاً} ، يقول: وساء طريق الزنا طريقًا، لأنه طريق أهل معصية الله والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقًا يورد صاحبه جهنم.
وعن قتادة: قوله: {وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ} ، وإنا والله ما نعلم يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: إلا رجلاً قَتَلَ متعمّدًا فعليه القود، أو زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل. {وَمَن قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} . قال ابن عباس: بيّنة من الله عز وجل أنزلها يطلبها وليّ المقتول: العقل والقود، وذلك السلطان.
وعن قتادة: {فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} ، قال: لا يقتل غير قاتله، من قتل بحديدة قتل بحديدة، ومن قتل بخشبة قتل بخشبة، ومن قتل بحجر قتل بحجر. وعن طلق بن حبيب في قوله:{فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} ، قال: لا يقتل غير قاتله ولا يمثّل.
قال ابن كثير: وقوله: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} ، أي: أن الوليّ منصور على القاتل شرعًا وغالبًا وقديرًا.
قال الضحاك في قوله: {وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يبتغي له فيه ولا يأخذ من ربحه شيئًا. وعن الحسن: {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} ، قال: القَبَّان. قال في القاموس: القبان كشدّاد، القسطاس والأمين، وقال أيضًا: وقفان كل شيء جماعته واستقصاء عمله، والقَبَّان والأمين.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، قال قتادة: أي: خير ثوابًا وعاقبة. وأخبرنا أن ابن عباس كان يقول: يا معشر الموالي إنكم ولّيتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم: هذا المكيال، وهذا الميزان. قال: وذكرنا
لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه، ليس به إلا مخافة الله، إلا أبدله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك» . وعن قتادة: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} لا تقل: رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله. وقال مجاهد: لا ترم أحدًا بما ليس لك به علم. قال القتيبي: لا تتبعه بالحدس والظن.
وقوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} ، أي: بطرًا وكبرًا، فإن ذلك لا يلغ بك الجبال ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك.
وقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} .
قال البغوي: ومعناه كل الذي ذكرناه في قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ} {كَانَ سَيٍّئُهُ} ، أي: سيّئ ما عددنا عليك، {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} لأن فيما عددنا أمورًا حسنة، كقوله:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} ، وغير ذلك.
وقال ابن زيد في قوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} ، قال: القرآن.
قال البغوي: وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمة. {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ
اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً} . قال ابن عباس: مطرودًا. وقال قتادة: {مَلُوماً} في عبادة الله، {مَّدْحُوراً} في النار.
قال البغوي: خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات، والمراد منه الأمة.
قال البغوي: قوله عز وجل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم} ، أي: اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة، يعني: اختاركم بالبنين
…
{وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً} لأنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله
…
{إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً} يخطب مشركي مكة. {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} ، يعني: العبر والحكم والأمثال، والأحكام والحجج والأعلام {لِيَذَّكَّرُواْ} ، أي: ليتذكّروا ويتّعظوا {وَمَا يَزِيدُهُمْ} تصريفًا وتذكيرنا وتكريرنا، {إِلَاّ نُفُوراً} ذهاباً وتباعدًا عن الحق. {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَاّبْتَغَوْاْ} يعني: الآلهة، {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} بالمغالبة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض.
ثم نزّه نفسه فقال عز من قائل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} .
قال ابن كثير: وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنته فقال: إني قاصّ عليكما الوصية: آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين: أنهاكما عن الشرك بالله والكبر، وآمركما: (بلا إله إلا الله) ، فإن السماوات والأرض وما فيهما لو وضعت في كفة الميزان ووضعت (لا إله إلا الله) في الكفة الأخرى، كانت أرجح، ولو أن السماوات والأرض كانتا حلقة فوضعت (لا إله الا الله) عليهما لقصمتهما أو لفصمتهما، وآمركما: بسبحان الله وبحمده فإنهما صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء» . رواه أحمد.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} . قال قتادة: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} عن خلقه فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض، {غَفُوراً} لهم إذا تابوا. وبالله التوفيق.
* * *