الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث بعد المائة
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
وَلَمَّا
رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) } .
* * *
عن مجاهد: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} هو: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. فذلك قوله:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} .
قوله عز وجل: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ
أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) } .
عن ابن عباس: قوله: {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} ، قال: أعطني. وعن أبي بكر الهذلي قال: لما تخلّف موسى عليه السلام بعد الثلاثين حتى سمع كلام الله، اشتاق إلى النظر إليه فقال:{رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، من نظر إليّ مات، قال: إلهي سمعت منطقك، واشتقت إلى النظر إليك، ولأن أنظر إليك ثم أموت أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك قال: {فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني.
وعن ابن عباس في قول الله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} ، قال: ما تجلّى منه إلا قدر الخنصر، {جَعَلَهُ دَكّاً} ، قال: ترابًا، {وَخَرَّ موسَى صَعِقاً} ، قال: مغشيًّا عليه فمرّت به الملائكة، وقد صعق فقالت:
يا ابن النساء الحيّض، لقد سألت ربك أمرًا عظيمًا، {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ} لا إله إلا أنت، {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ، قال: أنا أول من آمن أنه لا يراك أحد من خلقك، يعني: في الدنيا.
عن السدي: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الحلال والحرام. وقال سعيد بن جبير: ما أمروا ونهوا عنه.
وعن السدي: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} بجد واجتهاد، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} بأحسن ما يجدون فيها.
وقال ابن عباس: قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ} يريد ألواح التوراة.
وعن مجاهد في قوله: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} ، قال: مصيرهم في الآخرة.
وقال ابن كثير: أي: سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي.
قوله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ
الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ
عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (147) } .
قال ابن عيينة في قول الله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يقول: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
قال البغوي: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} ، أي: ندموا على عبادة العجل؛ تقول العرب لكل نادم على أمر قد سقط في يديه.
عن ابن عباس: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} ، يقول: أسفًا حزينًا، فأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، وألقى الألواح من الغضب.
قال ابن كثير: أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادتهم العجل، فهو
أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضًا، كما تقدم في سورة البقرة؛ وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلّة وصغارًا في الحياة الدنيا،
…
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} ، قال أبو قلابة: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. وقال ابن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل.
وقوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ} أي: سكن، {عَن مُّوسَى الْغَضَبُ} {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} .
قال ابن كثير: يقول تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} ، أي: غضبه على قومه، {أَخَذَ الألْوَاحَ} ، أي: التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل، غيرة لله وغضبًا له، {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ، يقول كثير من المفسرين: إنه لما ألقاها تكسرت، ثم جمعها بعد ذلك. والله أعلم.
* * *