الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَقِيلَ) فِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ (يُوَالِيهِمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ، وَعُورِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ، وَقَوْلُهُ رَضِيَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُنَّ سَوَّى) بَيْنَهُنَّ فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُ فَلَهُ التَّخْصِيصُ) أَيْ تَخْصِيصُ وَاحِدَةٍ بِنَوْبَةِ الْوَاهِبَةِ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَيَأْتِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ مَا سَبَقَ (وَقِيلَ يُسَوِّي) بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ وَلَا يُخَصِّصُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُورِثُ الْوَحْشَةَ وَالْحِقْدَ، فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَيَقْسِمُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ. .
فَصْلٌ. ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَلِينُ أَوْ فِعْلًا، كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعَبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ (وَعَظَهَا بِلَا هَجْرٍ) وَلَا ضَرْبٍ فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبُ عَمَّا جَرَى مِنْهَا، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْوَعْظُ، كَأَنْ يَقُولَ اتَّقِي اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ وَيُبَيِّنَ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ، (فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعْظٌ وَهَجْرٌ فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، أَيْ يَجُوزُ لَهُ الثَّلَاثَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقَدِّمَ إلَخْ) سَكَتَ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الصُّورَتَيْنِ، بِأَنْ يُؤَخِّرَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ إلَى لَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ عَكْسِهِ، بِرِضَا الْمَوْهُوبَةِ وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُهُ قَالَ شَيْخُنَا، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ حَقٍّ مِنْ بَيْنِهِمَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ تَأْخِيرٌ حَتَّى إلَخْ) أَيْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُنَّ وَإِلَّا جَازَ وَفَارَقَ اعْتِبَارَ عَدَمِ الرِّضَا مَعَ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ فِيهِ سُرْعَةَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَحَيْثُ جَازَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ بَعْدَ مَبِيتِ لَيْلَتِهِمَا، لِأَنَّ لَيْلَتَهَا الْأَصْلِيَّةَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ تَعْلِيلٌ لِتَرْكِ التَّقْدِيمِ لَا لِجَوَازٍ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ إحَالَةُ الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُنَّ) أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ فَلَهُ تَخْصِيصُ وَاحِدَةٍ) أَيْ مَنْ أَرَادَ مِنْهُنَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي كُلِّ دَوْرٍ.
تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ أَطْرَافِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِمُبْهَمَةٍ، أَوْ لِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ أَوْ لَهُ أَوْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَوْ لَهُ، وَلِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ أَوْ لِلْجَمِيعِ فَفِي الْأُولَى الْهِبَةُ بَاطِلَةٌ وَمَا عَدَاهَا يُعْلَمُ مِنْ الْأَخِيرَةِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ فِي كُلِّ دَوْرٍ لَيْلَةٌ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فِي أَوَّلِ دَوْرٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِوَاحِدَةٍ اخْتَصَّتْ بِهَا أَوَّلَهُ جَعَلَهَا لِمَنْ أَرَادَ مِنْهُنَّ ثُمَّ بَعْدَ دَوْرٍ آخَرَ لَيْلَةٌ أَيْضًا فَيُقْرِعُ لَهَا بَيْنَ مَنْ بَقِيَ لِأَنَّ مَنْ خُصَّ بِلَيْلَةٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ بَعْدَهُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ خُصَّ بِهَا كَمَا مَرَّ.
وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ أَرْبَعُ لَيَالٍ بَعْدُ أَوْ أَكْثَرُ وَحَيْثُ تَعَيَّنَتْ كُلُّ لَيْلَةٍ لِمَنْ خُصَّ بِهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى قُرْعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ انْتَظَمَتْ الْأَدْوَارُ وَاللَّيَالِي وَوُقُوعُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَدْوَارِ لَا يُخِلُّ بِهَا فَتَأَمَّلْ، وَافْهَمْ وَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَمْ تَصِحَّ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ، وَهَذَا إذَا وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا دَائِمًا فَإِنْ وَهَبَتْ لَيْلَةً فَقَطْ مَثَلًا لَهُ وَلَهُنَّ خَصَّ كُلًّا بِرُبْعٍ وَرُبْعُهُ يَخُصُّ بِهِ مَنْ شَاءَ، وَيُقْرِعُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْأُولَى إذَا جَعَلَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي دَوْرِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ الْوَاهِبَةُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا وَلَوْ أَنْكَرَتْ الْهِبَةَ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهِمَا إلَّا بِرَجُلَيْنِ.
فَرْعٌ: يَعْصِي بِطَلَاقِ مَنْ دَخَلَ وَقْتُ حَقِّهَا قَبْلَ وَفَائِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنْ سَأَلَتْهُ فَلَا يَعْصِي وَيَجِبُ الْوَفَاءُ لَهَا بَعْدَ عَوْدِهَا، وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ مِنْ نَوْبَةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فَلَا قَضَاءَ وَلَا يُحْسَبُ مَبِيتُهُ مَعَ الْمَظْلُومَةِ بَعْدَ عَوْدِهَا مِنْ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ فِي بَابِ الْخُلْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ كَانَ إلَخْ) خَرَجَ بِالْبَعْدِيَّةِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَنْ هِيَ دَائِمًا. كَذَلِكَ فَلَيْسَ نُشُوزًا إلَّا إنْ زَادَ. قَوْلُهُ: (إعْرَاضًا وَعَبُوسًا) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ كَرَاهَةٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ السَّبَّ وَالشَّتْمَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِسُوءِ خُلُقٍ لَكِنْ لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَيْهِ وَلَا بِلَا حَاكِمٍ. قَوْلُهُ:(وَعْظُهَا) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (كَانَ كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) وَيُنْدَبُ أَنْ يَذْكُر لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَبَسَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا إلَّا قَامَتْ مِنْ قَبْرِهَا مُسَوَّدَةَ الْوَجْهِ، وَلَا تَنْظُرُ إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ» . قَوْلُهُ:(فِي الْمَضْجَعِ بِفَتْحِ الْجِيمِ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ اسْمٌ لِلْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ) أَيْ إنْ أَفَادَ فِي ظَنِّهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ لَهُ الثَّلَاثَةُ) وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَابْنِ حَجَرٍ وَالْخَطِيبِ أَنَّهُ لَا يَرْتَقِي لِمَرْتَبَةٍ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا كَمَا فِي الصَّائِلِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ حَدًّا كَالتَّعْزِيرِ بَلْ هُوَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ بِهِ.
ــ
[حاشية عميرة]
[فَصْلٌ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا]
فَصْلٌ:
ظَهَرَتْ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعْظٌ إلَخْ) لَوْ صَدَرَ مِنْهَا شَتْمٌ لَهُ وَبَذَاءَةُ لِسَانٍ فَهَلْ لَهُ تَأْدِيبُهَا، أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا مَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي رَفْعِهَا إلَى الْحَاكِمِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ مَا جَرَى قَدْ يَكُونُ لِعَارِضٍ سَرِيعِ الزَّوَالِ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى التَّأْدِيبِ.
وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] وَالْأَوَّلُ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ الْمُرَادُ: {وَاهْجُرُوهُنَّ إنْ نَشَزْنَ وَاضْرِبُوهُنَّ إنْ أَصْرَرْنَ عَلَى النُّشُوزِ} وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرْبٌ) وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَيَّدَ الضَّرْبَ فِيهَا بِعَدَمِ التَّكَرُّرِ، كَأَنْ أَقْعَدَ وَلَا يَأْتِي بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ، وَلَا عَلَى الْوَجْهِ، وَالْمَهَالِكِ وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فِي الْمَضْجَعِ أَنَّهُ لَا يَهْجُرُهَا فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ، كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» .
(فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا) ، بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ) عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ (عَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ هَذَا فِيمَا إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا وَمَا قَبْلَهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّتْ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ) ، عَلَيْهِ (تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ بِثِقَةٍ) فِي جَوَازِهِمَا (يَخْبُرُهُمَا) ، بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ (وَمَنَعَ الظَّالِمَ) مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ إلَى ظُلْمِهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ الثِّقَةِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَلَا يَخْلُو عَنْ احْتِمَالٍ.
(فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) أَيْ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ دَامَا عَلَى التَّسَابِّ وَالتَّضَارُبِ (بَعَثَ) الْقَاضِي (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِهِ بِهِ، وَحَكَمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا أَوْ يُفَرِّقَا إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا} [النساء: 35] إلَخْ وَهَلْ بَعْثُهُ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَجْهَانِ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ، وُجُوبَهُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ (وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا وَفِي قَوْلٍ) حَاكِمَانِ (مُوَلَّيَانِ مِنْ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ اللَّهَ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) الْقَائِلُ بِعَدَمِ الضَّرْبِ أَبْقَاهُ أَيْ الْخَوْفُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَالْآخَرِ. قَوْلُهُ:(أَقْعَدَ) لَمْ يَقُلْ أَحْسَنَ أَوْ أَوْضَحَ أَوْ أَقْوَمَ لِاسْتِوَاءِ الْعِبَارَتَيْنِ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى، لَكِنَّ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ أَدْخَلُ فِي تَرْكِيبِ الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ وَمَنْ فَهِمَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا وَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ فَهُوَ مِنْ التَّكَلُّفِ الَّذِي هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَتَقَوُّلٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ حَظِّ نَفْسِهِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ كَوْنَ الْأُولَى لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ عَدَمَ الْعَفْوِ لِأَنَّهُ لِلتَّأْدِيبِ. قَوْلُهُ:(لَا يَهْجُرُهَا فِي الْكَلَامِ) وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ) وَيَحْرُمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا إلَّا قَصْدُ رَدِّهَا عَنْ الْمَعْصِيَة أَوْ إصْلَاحُ دِينِهَا إذْ الْهَجْرُ وَلَوْ دَائِمًا وَلَوْ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَفِسْقٍ وَابْتِدَاعٍ وَإِيذَاءٍ وَزَجْرٍ وَإِصْلَاحٍ لِلْهَاجِرِ، أَوْ الْمَهْجُورِ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَجَرَهُمْ وَنَهَى الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَهُمْ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَلِذَلِكَ قِيلَ أَوَائِلُ أَسْمَائِهِمْ مَكَّةُ أَوْ أَوَاخِرُ أَسْمَائِهِمْ عَكَّةُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يُضْرَبُ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مَنْعِ حَقِّهِ إلَّا هَذَا، وَالْعَبْدُ وَذَلِكَ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ لَهُمَا وَعَدَمِ الِاطِّلَاعِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ النُّشُوزِ، وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الضَّرْبِ لَا لِسُقُوطِ نَحْوِ النَّفَقَةِ نَعَمْ إنْ عَلِمَتْ جَرَاءَتَهُ عِنْدَ النَّاسِ صُدِّقَتْ هِيَ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. .
قَوْلُهُ: (بِلَا سَبَبٍ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: (نَهَاهُ) وَلَا يُعَزِّرُهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَرُبَّمَا يَلْتَئِمُ الْحَالُ بَيْنَهُمَا، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إسْكَانُهُمَا بِجِوَارِ عَدْلٍ، وَيَحُولُ بَيْنَهُمَا لِيَظْهَرَ الصَّادِقُ مِنْهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا فِي الزَّوْجِ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَتُعَذَّرُ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ:(تَعَرَّفَ الْقَاضِي) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِهِمَا مَنْ يَعْرِفُهُمَا وُجُوبًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالتَّعَدِّي كَرَاهَةُ الصُّحْبَةِ لِنَحْوِ كِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لَكِنْ يُنْدَبُ اسْتِعْطَافُ الْكَارِهِ بِمَا يُرْضِيه، وَلَوْ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ. قَوْلُهُ:(بِثِقَةٍ) وَاكْتَفِي بِهِ لِعُسْرِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْعُ الظَّالِمِ) عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ مِنْ نَهْيٍ أَوْ تَعْزِيرٍ. قَوْلُهُ: (عَدْلٌ) وَلَوْ رِوَايَةً لِأَنَّهُ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالثِّقَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرْتَفِعْ الظُّلْمُ بَيْنَهُمَا أَحَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ظُلْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ.
قَوْلُهُ: (بَعَثَ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِهِ) نَدْبًا وَكَذَا مِنْ أَهْلِهَا وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ اخْتِلَاءٍ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْفِيَ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ شَيْئًا إذَا اخْتَلَى بِهِ. قَوْلُهُ: (صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وُجُوبَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَكِيلَانِ) فَلَوْ جُنَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحُكْمَيْنِ حَالَهُمَا انْعَزَلَ حُكْمُهُ لَا إنْ غَابَ.
ــ
[حاشية عميرة]
فَرْعٌ: لَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزِهَا، وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْمَطْلَبِ، قَالَ وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَالِيًا فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَقَالَ الْمُرَادُ إلَخْ) قِيلَ يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ سبحانه وتعالى رَتَّبَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى خَوْفِ النُّشُوزِ، وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ الضَّرْبِ قَبْلَ إظْهَارِهِ، وَأَيْضًا ذِكْرُهُ الْعُقُوبَاتِ مُتَصَاعِدَةً عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ فِي الْآيَةِ فِيهِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرٌ عَلَى التَّرْتِيبِ. أَقُولُ الثَّانِي مُسَلَّمُ الدَّلَالَةِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْخَوْفَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ مِنْ الثَّانِي أَيْضًا، بِأَنْ يُجْعَلَ حِكْمَةُ ذِكْرِهَا مُتَصَاعِدَةَ الْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى نَوْعٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهُ كَافِيًا، فَإِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ:(فَلَوْ تَكَرَّرَ ضَرْبٌ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْفَعَ غَيْرُهُ مِنْ الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ، وَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لَا إصْلَاحٌ
قَوْلُهُ: (أَلْزَمَهُ الْقَاضِي) أَيْ وَلَا تُجْبِرُهُ هِيَ كَمَا يُجْبِرُهَا لِعَجْزِهَا عَنْهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] الْآيَةُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ:(هَذَا إلَخْ) تَوْطِئَةٌ لِكَلَامِ الْمَتْنِ الْآتِي
قَوْلُهُ: (قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ يُرِيدَا وَقَوْلِهِ بَيْنَهُمَا مَرْجِعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِلْحَكَمَيْنِ وَالثَّانِي لِلزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ هُمَا لِلْحَكَمَيْنِ وَقِيلَ لِلزَّوْجَيْنِ وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ مُبْتَغَاهُ.