الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْإِمَامُ، كَذَلِكَ لَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ، وَلَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ تَطْلُقُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا (وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا) تَطْلُقُ بِذَلِكَ، (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ وُجِدَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ.
فَصْلٌ: لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا
كَأَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ، لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] إلَى آخِرِهِ، (وَهُوَ تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ (فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى فَوْرٍ) ، لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ، فَلَوْ أَخَّرَتْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ.
(وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي) نَفْسَك، (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَهُوَ تَمْلِيكٌ بِالْعِوَضِ كَالْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ، فَهُوَ كَالْهِبَةِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فَقَرَأَتْهُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ قَرَأَتْ مَقَاصِدَهُ وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ يَكْفِي قِرَاءَةُ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ، كَمَا مَرَّ دُونَ بَقِيَّتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ هُنَا اعْتِبَارُ قِرَاءَةِ مَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ، فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَتَّجِهُ هُنَا اعْتِبَارُ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْكِتَابِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ مُحَقَّقَةٌ فَرَاجِعْهُ، وَلَا يَكْفِي إعْلَامُهَا بِهِ وَلَا عِلْمُهَا بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمُطَالَعَةَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ لَوْ طَالَعَتْهُ) كَفَى فِي الْوُقُوعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَّا أَنْ قَالَ أَرَدْت التَّلَفُّظَ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَطْلُقُ) وَإِنْ عَمِيَتْ أَوْ نَسِيَتْ الْقِرَاءَةَ، وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِ حَالَةِ الْكِتَابَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ بِحَسَبِ مَا فِي ذِهْنِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ، بِأَنَّهَا غَيْرُ قَارِئَةٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً) بِأَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ حَالَ الْكِتَابَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقُرِئَ عَلَيْهَا) وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا بِمَا فِيهِ وَلَا عِلْمُهَا مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَوْ تَعَلَّمَتْ الْقِرَاءَةَ وَقَرَأَتْهُ بِنَفْسِهَا فِي هَذِهِ وَقَعَ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا مَرَّ عَنْهُ، وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ الْوُقُوعُ أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
فَرْعٌ: أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالنِّيَّةِ كَفَى وَوَقَعَ بِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَفَعَلَ هُوَ الْآخَرَ لَغَا.
فَصْلٌ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ قَوْلُهُ: (لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا) وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُكَلَّفٌ فَإِنْ كَانَ بِمَالٍ اُشْتُرِطَ رُشْدُهَا أَيْضًا وَخَرَجَ بِالطَّلَاقِ تَفْوِيضُ تَعْلِيقِهِ، فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِقَوْلِهِ إلَيْهَا مَا لَوْ فَوَّضَهُ إلَى اللَّهِ مَعَهَا أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَهَا، أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا نَعَمْ لَوْ فَوَّضَهُ إلَى زَيْدٍ مَثَلًا وَحْدَهُ صَحَّ وَهُوَ تَوْكِيلٌ وَلَوْ فَوَّضَهُ إلَى اثْنَيْنِ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ. قَوْلُهُ:(إنْ شِئْت) لَيْسَ قَيْدًا إنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُبْطَلٌ.
قَوْلُهُ: (خَيَّرَ نِسَاءَهُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ بَلْ لَا بُدَّ لِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِنَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، بِقَوْلِهِ فَتَعَالَيْنَ الْآيَةَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبِّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ قَالَهُ الْخَطِيبُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ تَمْلِيكٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنَّ فِيهِ شَوْبَ تَعْلِيقٍ نَعَمْ إنْ جَرَى بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَيَشْمَلُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي التَّوْكِيلِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى فَوْرٍ) إلَّا إنْ كَانَ بِنَحْوِ مَتَى وَلَوْ مَعَ مَالٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ) نَعَمْ يُغْتَفَرُ يَسِيرُ كَلَامٍ كَقَوْلِهَا كَيْفَ أُطَلَّقُ، وَلَوْ مُتَعَنِّتَةً وَيَكْفِي قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالتَّفْوِيضِ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ زَوْجَتِي إنْ شِئْت فَلَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَتِهِ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَ الزَّوْجَ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي تَطْلُقُ) أَيْ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ فِي الْهِلَالِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ هَذَا. قَوْلُهُ:(فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ نَحْوُ إنْ طَلَعَتْ السَّمَاءُ، فَأَنْت طَالِقٌ قَالَ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هُنَا حَالَةً تَصِحُّ أَنْ تُرَادَ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُسْتَحِيلِ.
[فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا]
فَصْلٌ: لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا أَيْ لَا تَفْوِيضُ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَوْ فِي الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ زَوْجَاتِهِ صلى الله عليه وسلم
لَوْ فُرِضَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ حِينَ خَيَّرَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَأَيْضًا فَاخْتِيَارُهُنَّ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ رحمه الله قَالَ لَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخَيِّرْهُنَّ فِي إيقَاعِ الْفِرَاقِ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَإِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ حَتَّى إذَا اخْتَرْنَ الْفِرَاقَ طَلَّقَهُنَّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: 28] إلَخْ قَوْلُهُ: (وَهُوَ تَمْلِيكٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ، وَإِلَّا فَلَا فَوْرَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ:(فِي الْجَدِيدِ) إنَّمَا كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَرْجِعُ إلَيْهَا دُونَ الْمُوَكِّلِ وَكَانَ كَالْهِبَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ) هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قِيلَ وَقَضِيَّتُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهَا قَبِلْت إذَا قَصَدَتْ بِهِ الطَّلَاقَ خِلَافُ مَا يُفْهِمُهُ ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهُ وَفِي قَوْلٍ تَوْكِيلٌ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ قَوْلُهُ:
(وَفِي قَوْلٍ) نُسِبَ إلَى الْقَدِيمِ (تَوْكِيلٌ) بِالطَّلَاقِ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي تَطْلِيقِهَا، (فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهَا نَفْسَهَا بِلَفْظٍ تَأَتِّي بِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَابًا عَاجِلًا.
(وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا) لَفْظًا (خِلَافُ الْوَكِيلِ) الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يُشْتَرَطُ، وَثَالِثُهَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ نَحْوُ وَكَّلْتُك بِطَلَاقِ نَفْسِك دُونَ صِيغَةِ الْأَمْرِ نَحْوُ طَلِّقِي نَفْسَك، (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ التَّفْوِيضِ (قَبْلَ تَطْلِيقِهَا) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ وَالتَّوْكِيلَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفِ، (وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي) نَفْسَك (لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ) كَمَا لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ شَهْرٍ.
وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ وَأَنَّهُ إذَا نَجَزَهَا وَشَرَطَ لِلْمُتَصَرِّفِ شَرْطًا جَازَ فَلْيُتَأَمَّلْ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ، (وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَيَا) عِنْدَ قَوْلِهِمَا الطَّلَاقَ (وَقَعَ) ، كَمَا يَقَعُ بِالصَّرِيحِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَلَا) يَقَعُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُفَوِّضْ الطَّلَاقَ وَإِذَا لَمْ تَنْوِ هِيَ مَا امْتَثَلَتْ (وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي) نَفْسَك، (فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ أَوْ أَبِينِي) نَفْسَك، (وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ) الطَّلَاقُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا.
(وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي) نَفْسَك، (وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ) بِأَنْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَقَدْ نَوَيَاهُ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا (فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ ثَلَاثٌ حَمْلًا عَلَى مَنْوِيِّهِ، (وَلَوْ قَالَ) طَلِّقِي نَفْسَك (ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا (فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا الْمُوقَعُ فِي الْأُولَى، وَالْمَأْذُونُ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
شَاءَتْ اُشْتُرِطَ مَشِيئَتُهَا فَوْرًا عِنْدَ عَرَضِ الْوَكِيلِ عَلَيْهَا ثُمَّ يُطَلِّقُ.
قَوْلُهُ: (نُسِبَ إلَى الْقَدِيمِ) هَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْجَدِيدِ سَابِقًا وَلَعَلَّ عُدُولَ الْمُصَنِّفِ عَنْ لَفْظِ الْقَدِيمِ لِلشَّكِّ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ نَحْوِ مَتَى. قَوْلُهُ: (وَفِي اشْتِرَاطِ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيُتَأَمَّلْ الْجَمْعُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ فَضْلًا عَنْ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ مَا هُنَا مِنْ تَعْلِيقِ التَّصَرُّفِ وَالْوَكَالَةِ مُنْجِزَةٌ لِأَنَّهَا ضِمْنِيَّةٌ فَقَوْلُهُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فَطَلِّقِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطُ تَأْخِيرِ الطَّلَاقِ إلَى رَمَضَانَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِك الْآنَ، وَلَا تُطَلِّقِي حَتَّى يَجِيءَ رَمَضَانُ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بِتَطْلِيقٍ لَا بِتَوْكِيلٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَبِي شَرِيفٍ التَّصْرِيحَ بِمَا ذَكَرْته فَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَلْتَزِمُ الْبُطْلَانُ هُنَا فِيمَا لَوْ قَالَ، إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي نَفْسِك، فَمَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ سَوَاءٌ، فَالْإِشْكَالُ وَالْأَمْرُ بِالتَّأَمُّلِ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ بَاطِلَةٌ، وَأَنَّ التَّصَرُّفَ بِعُمُومِ الْإِذْنِ كَمَا هُنَاكَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ فِيهَا إيهَامَ مَا لَيْسَ مُرَادًا فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ وَافِهِمْ.
قَوْلُهُ: (أَبِينِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ وَمَا هُنَا مِنْ الْكِنَايَةِ وَمِنْهَا الصَّرِيحُ إذَا أُضِيفَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ، كَمَا لَوْ قَالَ طَلِّقِينِي أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَالَتْ طَلَّقْتُك فَإِنْ نَوَى التَّفْوِيضَ وَنَوَتْ هِيَ الطَّلَاقَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ:(نَفْسَك) وَتَكْفِي نِيَّةُ هَذَا عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ. قَوْلُهُ: (الطَّلَاقَ) هُوَ مَفْعُولُ نَوَيَا وَفِيهِ تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَنْوِي تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ لَا نَفْسِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ كَغَيْرِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا بَعْدَهُ، بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ لَمْ يُفَوِّضْ.
قَوْلُهُ: (وَنَوَتْ) أَيْ الطَّلَاقَ. قَوْلُهُ: (وَنَوَى) أَيْ التَّفْوِيضَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ) أَوْ وَقَعَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا) صَادِقٌ بِعَدَمِ النِّيَّةِ أَصْلًا وَبِوَاحِدَةٍ وَبَقِيَ مِنْ الْمَفْهُومِ نِيَّةُ اثْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ فِيهِ يَقَعُ اثْنَتَانِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِي كَلَامِهِ وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ نَوَى هُوَ الْوَاحِدَةَ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَنَوَتْ هِيَ الْوَاحِدَةَ أَوْ لَمْ تَنْوِ شَيْئًا فَيَقَعُ وَاحِدَةً أَيْضًا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهَا وَسَكَتَ عَنْهُ الشَّارِحُ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ.
قَوْلُهُ: (فَوَاحِدَةً فِي الْأَصَحِّ) وَلَهَا إيقَاعُ الْبَاقِي فَوْرًا. قَوْلُهُ: (فَوَحَّدَتْ) أَيْ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً فَإِنْ لَمْ تَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ جَوَابٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْمُوقِعُ إلَخْ) إذْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَقَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي نِيَّتِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا صَحَّ مَعَ الِاخْتِلَافِ مَعَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ تَوْكِيلٍ أَوْ تَعْلِيقٍ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَبُولُهَا لَفْظًا) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ قَبِلْت الْوَكَالَةَ قَوْلُهُ: (وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ) قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ يَنْبَغِي عِنْدَ مَجِيءِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَكُونَ لَهَا الطَّلَاقُ فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ مُنَافِيًا لِلْوَكَالَةِ، بَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُعَلَّقٌ اهـ. أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ يُلْزِمُ قَائِلَهُ أَنْ يَقُولَ بِمِلْكِهِ فِي التَّفْوِيضِ الْمُنْجَزِ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا سَلَفَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ صَحِيحٌ وَهُنَا فَاسِدٌ لِتَعْلِيقِهِ. قَوْلُهُ:(فَلْيُتَأَمَّلْ مِنْ الْجَمِيعِ إلَخْ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْمُعَلَّقَةُ، وَإِنْ فَسَدَتْ يَسُوغُ التَّصَرُّفُ بِعُمُومِ الْإِذْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَازِ هُنَا لَا الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ:(وَنَوَيَا) اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَقُّفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى نِيَّةِ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الرَّجُلِ. أَقُولُ مَا أَدْرِي مَاذَا يَقُولُ هَذَا فِي قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَبَنْت عِنْدَ قَوْلِ الرَّجُلِ طَلِّقِي قَوْلُهُ:(وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا) أَيْ أَمَّا إذَا نَوَتْ اثْنَتَيْنِ فَلَا يَقَعُ غَيْرُ مَا نَوَتْهُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ نَوَتْ وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ شَيْئًا بَلْ أَطْلَقَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَّجِهُ فِي غَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِالْعَدَدِ مَا يَشْمَلُ الْوَاحِدَةَ لِئَلَّا تَقْتَضِيَ عِبَارَتُهُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ. فِي صُورَتِهَا.